Sunday, August 23, 2009

ليلة من ليالي عطبرة

كان ذلك بعد الإفطار..كان الصيام مرهقا نوعا ما في اليوم الثاني لكنه انتهي علي كل حال وشربنا حتي ارتوينا وشربنا حتي شبعنا
ثم فجأة ودون اي سابق انذار اصطبغ الجو بلون بني داكن وهبت عواصف ترابية تكسح امامها كل شيء،اسرعنا نغلق النوافذ والابواب الحديدية المفتوحه والتي ليست محكمة بالكامل وسيجد التراب لا محالة منفذا يعبر منه مع ضغط الريح ليمليء جو الاستراحة بالغبار
بعد قليل دخل وقت العشاء فتعذر علينا ان نخرج في مثل ذلك الجو ولكن المدهش بحق ان تلك العاصفة الترابية انتهت كأن لم تكن وصفا الجو فجأة تتخلله نسمات نقية خالية من التراب والغبار فخرجنا وصلينا وعدنا مطمئنين ان الجو صار جميلا وان ما حدث لم يكن ليفسد علينا شعورنا بان الحال علي ما يرام وليس هناك ما يكدر صفونا ، او يجعلنا نقلق من ان نقضي ليلة مخيفة
المخضرمين منا في عطبرة يقولون كلاما كثيرا عن ليالي عطبرة الرهيبة ،وكانوا يقولون انهم مهما وصفوا فلن ينقلوا جزءا من الحقيقة
كنا نجاملهم بصرف النظر عن مدي اقتناعنا بما يقولون
بعدما عدنا من صلاة العشاء قال لي احد المخضرمين :تعرف بقي لو حد قالي مصر فيها وفيها انا هنفخه او هفتح كرشة او شيء من هذا القبيل
قلت له: ياعم شوف جزيرة قبرص وقارنها بمصر
كنت دائما اشاكسة حيث انه يقيم مقارنة دائما بين مصر وبين عطبرة او بعض مدن السودان البدائية وتكون المقارنة في صالح مصر دائما ،فكنت اقول له : ياعم قارن مصر باسبانيا ،بفرنسا باي بلد علشان تعرف قد ايه احنا عايشين اسوء عيشه
هنا في عطبرة المياة تأتي من النيل مباشرة دون اي محطات تنقية او تحلية او اي يحزنون قد يفيد ، ولك ان تتخيل عندما يفيض النيل ويحمل بالطمي الخصب القادم من هضبة الحبشة واعالي افريقيا ، لك ان تتخيل ماذا ينزل من الحنفية
لن استيطع ان اوصف لك ، اقل ما يوصف انها شيكولاتة سايحة علي حد قول احدهم
او هي صنبور في ماكينة للقهوة ،وليست للمياة ، لدرجة ان الناس هنا اصبحوا يطلقون علي المياة العادية الماية البيضاء
كنا نستخدم هذه المياة فقط في الاستحمام والوضوء ولكنها بالفعل وصلت لمرحلة من السواد يستحيل معه ان ترضي لنفسك ان تستعملها ، سيصيبك شعور انك كنت اكثر نضافة قبل استخدامها ، كنا والحال كذلك نرسل البراميل الكبيرة نملئها بمياة الابار
كان صديقي يري ان مصر نعمة عن طريق تلك المقارنة مع عطبرة ولكني كنت اقول له : الم تقرأ ذلك التحذير الذي وزعته بعض السفارات الاوربية علي رعاياها في مصر ان يغلقوا أفواههم اثناء الاستحمام لان المياة ليست نظيفة ، ياعم قارن مصر باي دولة من دول العالم الثالث وانت تعرف النتيجة ، تعرف المياة هنا فقط مشلكتها ان فيها طمي ذائب لكنها نقية تماما من الملوثات والمبيدات
ولم يكن النقاش ينتهي بيني وبينه ، لاهو يتنقع ولا انا اهمد
ولم يكن ناقما علي المياة فقط ولكن علي الكهربا ايضا التي تنقطع كثيرا ولولا ان من الله علينا بمولد لكنا نحيا كالبؤساء كما كانوا يعيشون فيما سبق علي اعتبار انه من المخضرمين
كانت الحياة هنا ببدائيتها وبدايتها تثير حنقه وغيظه ويري ان مصر هي الرائعة المتقدمة ويري ان الذين يعيبون في مصر هم لا يفقهون شيئا وناس بتستعبط ، طيب ييجوا يشوفوا الدنيا هنا عامله ازاي علشان يحمدوا ربنا
وطبعا لم اكن اهمد فاقول له فيما معناه : انت عامل زي الست اللي فرحت ان ابنها جاب اتنين ضج –ضعيف جدا يعني- ولم يسقط زي ابن جارتها ، طيب ليه متبصش علي الواد اللي في العمارة اللي قصادهم اللي جاب تقدير جيد جدا
وبصرف النظر عن نهاية الحوار الا ان ما حدث الليلة بدأ يهز قناعتي
انا قد نمت بعد العاشرة مساءا اقرأ رواية مقتل روجر أكرويد لاجاثا كرسيتي حتي ذهبت في النوم ، وقد استغرقت في النوم حتي وجدتي استيقظ وحدي علي رائحة غبار تزكم انفي
لم يكن الغبار كثيرا في الغرفة ولكن معني وجود القليل منه ان هناك بالخارج عاصفة رهيبة اقوي من عاصفة بعد المغرب بمراحل
وخرجت بنومي لاستطلع الامر ،لأري اسوء طقس رأيته في حياتي ، ريح شديدة وغبار كثيف يتعذر معه الرؤية ويشقه كل ثانيتين او ثلاثه وميض البرق الخاطف ، كان مخيفا يوقظ داخلك مشاعر الخوف البدائية من الطبيعة وهو ثائرة
كان المولد به مشكلة لم يتم اصلاحها بعد فكان اكثر ما يخيفنا ان تنقطع الكهربا فنعيش ليلة من اصعب الليالي التي قد تمر علي الانسان
واستيقظنا كلنا يحاول المستجدون منا ان يستوعبوا الامر في حين كان المخضرمين يبشروننا بليالي اشد قسوة
ظننا ان الفجر سيأتي ونحن علي ذلك الحال
ولكن العجيب والغريب ان الريح بدأت تهدأ وتساقطت بعض حبات المطر تغسل الجو علي خجل ،و سبحان الله هبت نسائم باردة قوية سرعان ما جعلت الجو رائقا لطيفا ، ولم يبقي فقط سوي الفلاش الخاطف للبرق
شعرت ان الجو كأنه عقل مراهقة لعوب يتغير بشكل غير معهود
انا الان افتح النافذة وادون ما حدث فقد طار النوم من عيني مع الرياح الشديدة ولا احسبه يعود الا بعد الفجر
اتوقع المكر في اي لحظة فلقد رأيت بعيني جو عطبرة العصبي
واقول لنفسي ولكم ان مصر نعمة ، مهما كان فإنها نعمة ، ربنا يرجعنا بالسلامة علي خير

25 comments:

واصطنعتك لنفسي said...

مش قلتلك شهر أغسطس ده شهرعجيــــــب..هي فقط بعض نفحات الشهر:D

ويا فندم بغض النظر عن أي مقارنة فمصر في جميع الأحوال نعمة، مهما كان فإنها نعمة، وربنا يرجعك بالسلامة علي خير.. ياااارب
:))

ربنا يعينك ويهون عليك الغربة ويأجرك على عملك ونفعك للناس
آمين

Heba said...

يا ربى

إذا كان الجو كده فى أغسطس، أمال بيبقى إزاى فى الشتا

جمعاوى said...

كان الله فى العون

(:


عواصف فى الصيف
!!

ربنا يستر عليك أيام الفيضان
(:

Unknown said...

ترجع بالسلامة ياجميل
فعلاً الطقس فى مصر مش هتلاقى زيه بسهولة
عندى هنا درجة حرارة و رطوبة متسمحش بالقوف فى الشارع فى أى وقت لأكتر من 5 دقائق ، أما المياه بقى فبتيجى من الخليج رأساً ، هههههه ترجع بالسلامة

مهندس مصري بيحب مصر said...

حمداً لله على سلامتك
ربنا يستر عليك يا بني
أهي كلها خبرات و تجارب

Fahd said...

واصطنعتك

فعلا سبحان الله هي نفحات من الشهر الكريم
ومصر نعمة لان بها الاهل والاحباب

جزاكم الله خيرا وكل عام وانت بخير

Fahd said...

heba

يا اهلا يا اهلا
الشتاء هنا رائع ودافء

بس يارب مقعدش لحد الشتا

Fahd said...

جمعاوي

هيثم حبيبي احنا في زمن الفيضان فعلا

امال الماية طينة ليه

بارك الله فيك ورمضان كريم

Fahd said...

د احمد

انت اللي عسل والله

كان الله في عونك بجد

وان شاء الله ترجع بالسلامه لمصر ونتقابل ان شاء الله
انا لن اتنازل عن الارانب المحشية

Fahd said...

مهندس حبيبي

كل سنة وانت طيب يا فندم ايه النور ده

ربنا يبارك فيك

فعلا هي خبرات امال هنحكي ايه لعيالنا

kochia said...

كل سنة وانت طيب
واشكرك علي تهنئتك
رمضان كريم

ابو اعصار said...

اول ما تيجي من السودان متنساش تجيبلنا الشيكولاتة السايحة
شئ رائع اما الشخص يكون قدامه مشكلة ويقلبها نكتة
يا اخ فهد كل سنة ونت طيب
الغربة بتعلم كتير وبتدعم تجارب الانسان

قلمي said...

جو غريب

ربنا يكون في عونكم

عارف المشكله ايه ياباش مهندس اننا مهما بعدنا حتي لو رحنا اسبانيا وفرنسا واي مكان رائع الجمال بتلاقينا بنحن للبلد المخروبه ديت

الواحد يروح اماكن نظيفه وجميلة فيها كل الي يتمناه اي شخص وتلاقيه بيفكر برده في مصر
وساعه ما يوصل للبلد يلاقيه مبسوط بها

مش عارفه السبب

يمكن يكون معمول للشعب عمل اسمه مصر
بالنسبه لمكان حضرتك فربنا يكون في عونك

لسبببين اولا علشان الجو الغريب والغربه
والسبب التاني ان المقيمين في مكان بتكون طباعهم مشابهة له فالله اعلم اهل عطبرة عندكم عاملين فيكم ايه

كل سنة وحضرتك بخير

-_- said...

ربنا يعينك و يعينا

سيف الدين ـ من عطبرة said...

يا باشمهندس
المثل بيقول :
"القرد في عين أمه غزال"

انا من عطبرة , ولدت فيها وأكملت دراستي حتى الثانوي فيها.ثم انتقلت الى الخرطوم.
ودرست في العراق ,وعملت في اليمن والسعودية , وزرت تركيا وسوريا والاردن والقاهرة.
كل تلك الدول لا تسوى عندي "شربة ماء عكر" في عطبرة.
أو نسمة هبوب مغبرة قادمة من الشمال الشرقي لتمنع الرؤيا وتمنح الأمل بقدوم الفيضان وخيرات النيل ونهر عطبرة.
وأنت تعلم تلك "الشكولاتة السايحة" أنظف من "البلاوي السايحة" الموجودة في الماء عندكم.
تلك "الشوكولاتة السايحة" شربتها أنا عشرون عاما ما زادتني إلا صحة وشبابا ونضارة , بينما المياه النقية المعبأة في قوارير جذابة أصابتني بحصوات في الحالب.
والطمي يا صديقي إن لم يفيد , فهو لن يضر :
فعندما كنا صغارا عالجونا من الأمراض الجلدية بذلك الطمي. ولا تنسى أن الانسان أصله من طين.
**********
وأخيرا قل لصديقك أن بدائية المدن لا تقاس بالمستوى العمراني , وإنما بالإنسان الذي يسكنها.

Fahd said...

kochia

عام وانتم بخير واشكر لكم المرور

Fahd said...

ابو اعصار
ربنا يكرمك يا اخي

الحمد لله علي كل حال

نورت

Fahd said...

قلمي

انا بحب مصر علشان فيها اهلي وذكرياتي
فقط

ولو وجدت في اي حته في العالم هحبها برضه

ربنا يكرمك

Fahd said...

sharm

الله يعزك

متشكر جدا

سيف الدين ـ من عطبرة said...

يا أخي أنا اعجبني مقالك ورثيت لحالك في تلك الليلة العطبراوية , فقط أحببت أن أشاركك بذكرياتي العطبراوية.

نحن وأنتم همومنا واحدة , تجدها في هذا المقال الرائع :

--------
ليبرمان يطوق مصر أفريقياً
بقلم : عبد الباري عطوان

http://www.akhbar-libyaonline.com/index.php?option=com_content&task=view&id=27469&Itemid=74
--------
تحياتي لمصر المؤمنة بأهل الله.

Fahd said...

اخي سيف الدين

والله سعدت جدا بكلامك

ويمكن اكتر حاجه عجبتني بس انك من اهل عطبرةوصدقت علي كلامي علشان بس محدش يتفكر اني بسرح بيه

بص مبدئيا عايز اقولك ان بلد الانسان هي احب البلاد اليه بصرف النظر عن كونها ايه

تمام

انا بحب مصر زي ما بحب امي مش شرط تكون امي احلي ولا اجمل الامهات
احبها لانها امي وكفي


انا لم اتحدث عن عطبرة باي شيء قد يسيء اطلاقا بل علي العكس انا احببت الناس هنا واشهد لهم بانهم طيبين ودمهم خفيف ايضا

والحوار اللي دار بيني وبين صديقي هنا كان نتيجة اختلاف ظروف الحياة
انت اكيد مقدر برضه كمية الاختلاف بين عطبرة والقاهرة

هنا فيه ناس سودانيين مش بيحبوا يخرجوا بره الخرطوم

لكن انا كان رايي اشمل من كده
مش موضوع اني هشوف مصر حلوة لمجرد ان قاعد في مكان اقل منه حضاريا انا بقارن نفسنا باللي المفروض نكون عليه

احنا متاخرين جدا جدا جدا

بتكلم عن مصر طبعا

ليه احنا منبقاش زي الدول التانية

كلهم يتقدمون الا نحن

المهم وانت تري ايضا ان السودان انهكتها الحروب الاهلية والتحزبات واخرتها عن التقدم

لكن هذا لا يمنع ان لكل مكان نكهتة الخاصة وشعوره الاثير

هنا في عطبرة صارت لي شوية ذكريات لن انساها ما حييت

يمكن شهدت اول شعور بالحب اعيشه

خير خير

انا سعدت بتعلقيك جدا

وكنت حابب لو كنت تركت الاميل بتاعك لو نقدر نتواصل

وجزاكم الله خيرا وكل عام وانتم بخير

الحرية للإصلاحيين said...

معذرة للتحليق خارج السرب

تابعونا فى مدونة الحرية للإصلاحين

ستجدون ما يدهشكم

http://esla7kfd.blogspot.com/

انسااااااااانة....غريبة said...

امين يا رب العالمين الواحد لما بيسافر ويسيب بيته فترة بيبقى هيموت ويروح بيتهم حتى لو بيته ضيق ولا صغير ولا مش حلو اعتقد الموضوع كذلك لو على نطاق اوسع وسبت مصر وسافرت بس برده مصر فى حاجات كتيييييييير تنقط بس مهما حصل الواحد مش عارف يكرهها بجد

جزاك الله خير

انسااااااااانة....غريبة said...

امين يا رب العالمين الواحد لما بيسافر ويسيب بيته فترة بيبقى هيموت ويروح بيتهم حتى لو بيته ضيق ولا صغير ولا مش حلو اعتقد الموضوع كذلك لو على نطاق اوسع وسبت مصر وسافرت بس برده مصر فى حاجات كتيييييييير تنقط بس مهما حصل الواحد مش عارف يكرهها بجد

جزاك الله خير

عالم حبيب said...

فينك يابني وفين أراضيك .. مختفي يعني .. ياريت تطمنا عليك :))