Wednesday, November 20, 2013

شعبين أم شعب واحد وشلة مجرمين


طرقت الباب ثم ابعدت قليلا..بعد لحظات سمعت صوتا مألوفا ولكن بشكل ما نًزع منه شيء ما فاصبح بلا عمق او احساس...كانت حفيدة الشيخ طلبة تسألني من انا....فتحت الباب بعدما اجبتها

كانت فيما مضي طفلة صغيرة حفرت الشقاوة في عينيها، لكن الان كأني اري اختها التي تشبهاها ولكن تكبرها بعشر سنوات علي الاقل وارتسم الجد والهم علي وجهها

دخلت ورائها ولا يزال قلبي منقبضا، لم اعد احتمل اي وجع او حزن مرة اخري، امتليء قلبي واحتمل اكثر من اللازم...قًتل سنبل وقًنص مصعب..واستاذ اسلام وعمر وكثيرين ماتوا في احدث الفض، تمنيت لو لم اكن اعرفهم، وصرت افرح عندما يموت شخص او يًقتل ولم اكن اعرفه او اقابله في يوم من الايام

قابلت عاصم سنونسي قبل قتله كان شابا صغيرا يملؤه الحماس والشباب مبتسم دائما يحتضن عدسته التي لم يكن يعلم انها ستكون شاهدة علي لحظة موته التي لن تنتهي رغم بروده الرصاص وانتهاء دويها، ستظل اللحظة دائمه في الابد تتكرر وتتكرر، كأنها تشير الي الغادر وتخبر عنه

سنبل ايضا كان شابا جميلا له صوت عذب وملامح طفولية وروحا خفيفة لم يثقلها ذنب او تشدها دنيا او مادة...كان يملئ الحياة حوله بالبشرى والنصر...قابلته قبل استشهاده قلت له مازحا: قعدت تقول عايز اروح سوريا ادي سوريا جت لحد عندنا شوف بقي هتعمل ايه!!!! ويبدو انه كان عارف هو هيعمل ايه، لم تمر الساعه الثامنة صباحا يوم الفض المشئوم الا وقد قنص في صدره في قلبه الطيب الحنون

هم وغيرهم قد ماتوا وقد اخذوا من القلب جزءا معهم واخذوا من روحي القدرة علي الاستمتاع او الحياة

دعوت الله في سري ان يكون لطيفا بنا...ودخلت علي الشيخ طلبة ...ياااااااه يا شيخ طلبة..وحشتني نفسي اللي كانت بتقابلتك قبل ما توحشني انت يا شيخ طلبة....ياه علي الغربة والوحشة التي عشت فيها رغم اني لم اتعدي حدود الوطن

انكببت عليه اقبله واقبل يديه والدموع تذرف من نبع الحنين او من وحشة الاغتراب

كان كما هو الا ان وجهه ازداد تغضننا ولمحة من شحوب لاحت علي ملامحه، بيديه المرتعشه ربت علي شعري وضمني اليه

قلت له: كيفك يا شيخ طلبه، طال العهد وزاد الشوق والاحتياج

رد بصوته الذي تعترضه احيانا كحة تهز صدره وكيانه: افتقدك كثيرا..كيفك وكيف حالك

-         الحمد لله يا شيخ طلبه ماشية الحياة ، ونحن نمشي فيها، نرتفع قليلا ثم نهبط علي رؤسنا..نفقد الاتجاهات كأننا داخلين في دوامة او اعصار لا يفتر حتي يبدأ من جديد

ضاحكا قال- ياما قدت علي الراس طبول، عضمك لسه طري...

-         ياه يا شيخ طلبه...اذا لم تكن هذه الطبول فاين هي اذن وكيف سيكون شكلها ومتي تدق

-         لا انكر ان الاهوال التي مرت بكم هي الاشد ولكن لو أنك تقرأ التاريخ جيدا لكنت عرفت ان هذا ليس جديدا، صدقني هي دورة من دورات التاريخ والصراع الابدي بين قوى الخير والشر بشكله البدائي البسيط..احيانا يأخذ صورا معقدة ولكنها هي هي وتأكد انها حركة دوارة كقانون كوني يضمن سلامة الارض

-         ولكن يا شيخ طلبه الزمان صار يدور بسرعه لم نكد نستوعب قيام ثورة حتي قامت ثورة مضادة ثم انتخابات ثم ثورة مزعومة ثم انقلاب ثم جرائم دم وعالم بلا ملامح وعبث في عبث

-         تسارع الزمان والتكنولجيا قد يكونا السبب في تسارع دورات التاريخ، اعتقد د جاسم سلطان تحدث في هذه النقطة

سألته عن حفيدته ماذا حدث لها...ولكن كيف نسيت شعوري عندما دخلت البيت، ما سر هذا الحزن الموجود، كيف لم الحظ تهدج صوت الشيخ طلبه رغم تماسكه

قال الشيخ طلبه بصوت متهدج: مات ابوها في يوم الفض، قُنص في رأسه ولكن الحمد لله كان جثمانه سليم لم يحترق..

ياه يا شيخ طلبه..مات ابنك في يوم الفض وانت الان تحدثني عن الحياة ودورات الصراع، لازلت تملك تلك الابتسامة وذلك اليقين...

شملني التأثر والشعور بالتقصيير وانا اعزيه في وفاة ابنه بعد اكثر من ثلاث شهور

تقبل اعتذاري وسألني: طمني انت عليك، ماذا حصل معك يوم الفض

-         لم اكن بالميدان ساعتها، عندما استيقظت وعرفت الخبر الذي كنا ننتظره في كل يوم ذهبت هناك ولم استطع الدخول، اُلقيت علينا قنابل غاز تكفي مدينة وخرطوش كثيف لا اعتقد انه ترك احدا والا دخل في جسمه بعض منه..كانت اصابتي بسيطة بالمقارنة بما رأيت بعد ذلك، لم استطع البكاء او الحديث بعد حتي معرفتي بخبر موت اصدقائي فقط كنت احلم بهلاوس وناس تُقتل وناس تموت

-         هيه يا بني، فترة عصيبة مرت علي مصر وعلي شعبها سيظل يتردد صداها لسنوات قادمة، للاسف قد لا تعود البلد او الناس الي ما كانوا عليه اللهم اذا حدث شيء ضخم وكبير قادر علي تجميع لُحمة هذا الشعب مرة اخرى

-         كثيرون انتظروا مصيبة تحل بهذه البلد، كما حدث بعد تجبر عبد الناصر وما فعله من قتل وتعذيب واهدار لحرية الناس وكرامتهم  ابتلانا الله بنكسة كسرت غروره وجبروته الي الابد

-         نسأل الله السلامة..ندعو الله الا يحدث شيء من هذا، فما ذنب هذا الشعب الطيب المغلوب علي امره

-         لسه بتقول عليه طيب يا شيخ طلبه، بعد أن قُتل ابنك علي يد جيش بلدك، هذا الشعب الذي فرح في الموت والدم وظل يغني في اي مناسبة تسلم الايادي، الايادي الملطخة بالدماء، قتلوا اشرف واطهر شباب، كانوا كنزا تفخر به الدول ولكنهم قتلوهم وحرقوهم...كم اشتغلنا في الاعمال الخيرية طول السنين الماضية وهؤلاء الذين يعرفونا هم من فرحوا بقتلنا وخرجوا في الشوارع يحييون الجيش العظيم وافراد الشرطة البواسل الذين خلصوهم من ذلك الكابوس...كيف يا شيخ طلبة تقول شعب طيب ومغلوب علي امره وكيف بعد ان اعتبرونا شعب اخر وله رب اخر

لم يقاطعني الشيخ طلبه ولكن بعد ان فرغت من كلامي قال: يبدو ان وقت الدوم قد حان

ابتسمت رغما عني فقلت له: والله يا شيخ طلبي وحشني اي حاجه من طرفك، انا مستعد للدوم، بعد فترة طويلة من شم الغاز المسيل للدموع صار الدوم امرا محتملا

قال : هل ترى فعلا اننا شعبين وليس شعب واحد

قلت: للاسف يا شيخ طلبة يبدو اننا كذلك

قال: يا بني نحن شعب واحد لاننا بيننا قواسم كثيرة مشتركة، يجمعنا الفقر والمرض والجهل، نشترك في قيد واحد وعالقين سويا في الوحل...نحن لسنا شعبين، نحن شعب بلا حرية وبلا كرامة وبلا وعي و شلة حرامية منتفعين

-         يا شيخ طلبة يوجد الكثير غير منتفع اصلا ولكن يريد قتلك ويفرح ويشمت في الدم

-         خذها قاعدة يابني الي ان يثبت العكس، اي شخص غير منتفع هو فقط بلا وعي تم استغلاله لا يصح ان تعامله معامله شعب اخر، بل هو من شعبك قد يكون اخوك او ابن عمك واجب عليك ان تزيل الغشاوة عن عينيه، يجب ان يعرف من هو العدو الذي يريد ان يبقي هذا الجو الضبابي ويستغله جيدا.. يجب الا نتقاتل او نفقد الثقة في هذا الشعب

-         لا اخفيك سرا يا شيخ طلبة انا لا استطيع بعد كل ما حدث ان اتعامل بهذه النفسية، او افترض حسن الظن في كل الناس كما تفعل انت

-         يا بني لو تعتقد ان المعركة هي معركة اخوان او معركة سلطة او كرسي او انتخابات يبقي انت مخطأ، تخيل رغم انه كلام كبير ويصلح دراميا انه يكون المعركة الرئيسية والاساسية لكن في الواقع وفي مصر تحديدا هي معركة انسان، هي معركة كرامة وحرية للانسان المصري نفسه، حقه في الحياة وحقه في الاختيار الواعي الحقيقي المفيد الفعال له ولمستقبله بالطريقة دي ممكن تلاقي الاخوان جزء من العدو  لو نسيت انها في حرب ضد استعباد الانسان واستغلاله وليس لمجرد التمكين المنشود في ظل مجتمع يسهل توجيهه او السيطرة عليه من خلال برنامج او قناة

-         تعرف يا شيخ طلبة، لو المعركة الفعليه كما تقول ممكن تلاقي واحد من المعسكر الاول ولكنه في الحقيقة من المعسكر الاخر والعكس صحيح

-         بالظبط لو كانت المعركة واضحة انها معركة كرامة وحرية انسان سيتغيرتشكيل وتوزيع الناس، قد تجد شخص ضد الانقلاب ولكنه هو نفسه لو كان بامكانه ان يقتل او يعتقل ليحقق رؤيته في الحياة لفعل، وقد تجد شخص ضد الاخوان او للدقة ليس ضد الانقلاب ولكنه لو كانت القوة معه لاعطي للناس حريتهم وحقهم في الاختيار

وعندما هممت بسؤاله عن الجو الضبابي، وهل فعلا الوضع ضبابي ام واضح كالشمس، فرؤيته الدم والجثث المحترقة لا تدع مجالا للضباب قال لي: يكفي اليوم، انتظرك في مرة قادمة

لم اجادله فصحته لم تعد كما كانت ثم اني حمدت الله انها نسي الحوار مع انساه الدوم ومنقوعه

 

التكملة في الزيارة القادمة باذن الله

Sunday, November 17, 2013

لماذا قتلتُ الشيخ طلبة

كان ذلك بعد الثورة، كان جموح الشباب والثقة والانطلاق نحو المستقبل، وتمردنا علي الواقع لنصنع واقعا مغايرا لما عشناه لاكثر من ستين عاما، وسخريتنا ايضا من هذا الجيل، جيل عبد الناصر الذي كان يتبع المثل القائل جوع كلبك يتبعك، كان جيلا باكمله تابعا خائفا يسير داخل الحيط

سخرنا منهم بعد ان حملناهم كل الاوزار بسلبيتهم وتخاذلهم وخوفهم...وانطلقنا بعد الثورة ثورة يناير، ثورة الشباب نعتقد اننا قد شببنا عن الطوق ولم نعد بحاجة لاي كبير او شعر ابيض او حكمة معتقه او مغموسة بأرث تجارب وخبرات قديمة ماتت ومات ابطالها، مالنا ومالها اذن

كان ذلك بعد الثورة وانا لا اعرف الا ثورة واحدة، هي ثورة يناير، ثورة علي الظلم الكائن في هذا البلد، ثورة لم نحتاج اي تبرير كي نقنع بها العالم انها ثورة

كان الشيخ طلبة بالنسبة لي هو رصيد الحكمة الرائع الذي وددت لو تمردت عليه، كنت اريد ان اجرب معني الاستقلال بعيدا عن التوجيهات والذكريات..تركته وابحرت وحيدا حتي قبل انتهاء الدرس

وقبل ان ارحل اردت ان انهي هذه الصفحة داخلي، فقتلت الشيخ طلبة علي الورق وقتلت معه اي رغبة في الرجوع الا بالعودة بالنصر وتحقيق الامال والاحلام علي الارض تحت الشمس الواضحة

ولكن بعد مرور ثلاث سنوات علي الثورة اجدني تائها في عرض البحر.. والموج عنيف والريح شديدة واختفت الشمس ولم ارى حتي الان ارضا ثابته ولم اقابل حتي علامة تشير علي الطريق الصحيح

كان الامر صعبا علي نفسي ان اقتله ثم اعود اليه مرة اخري ولكن قررت واخذت القرار

كيف لا اعود اليه وانا اري كل شيء من حولي يتبدل ويتحول او ينهار

كل من الفتهم واحببتهم وقرأت لهم سنينا اجدهم يغيرون ويبدلون

كل المسلمات انهارت حتي ما كنا نعلمه عن العلاقات الدولية والتي اكتشفنا اننا ضحية اشتغالات دامت عقودا

من يتحكم في العالم، هل امريكا ضد روسيا؟

هل امريكا ضد ايران وهل ايران ضد اسرائيل

الخليج مع امريكا فكيف ان يكون ضد ايران في نفس الوقت

الخليج يقف الان مع الانقلاب في مصر، وامريكا تظهر عدم رضاها لما يحدث في مصر في نفس الوقت الذي تؤيد فيه اسرائيل ما يحدث واسرائيل مع امريكا، ثم نعود لنفس الدائرة المفرغه

اين نحن في هذه المتاهه، كيفك نرى انفسنا في ذلك الخضم العنيف المحكوم بالمال والسلاح والجيوش النووية والاتفاقيات التي وقع عليها بالنيابة عنا اناس خائنون يبيعونا  لقاء حفنة من الدولارات

كان يجب علي الذهاب للشيخ طلبة لافهم منه نفسية الشعب المصري وطبيعته، هل هو ساذج او حكيم، او اجتمع عليه الفقر والجوع

هل هو خبيث ام طيب ام عبيط

ما هو الحاكم لصفاته الشخصية والنفسية، كيف يخرج منه في وقت ما اروع الاخلاق وانبلها لتذهل العالم بها ثم في وقت لاحق يجعل منا مسخرة بين الشعوب

كيف يصمد هكذا بكل قوة في وجه الظلم ثم في وقت اخر او مكان اخر يهرب من عصا بيد غاشم، ولكن قبل ان يهرب يفعل شيء عجيب، قد يذهب ويقبل العصا قبل ان يهرب حافيا تجرح الارض قدميه

هل نحن خير اجناد الارض ام نحن تفرقنا العصا، ام نحن بينهم ام لا هؤلاء ولا هؤلاء ام أن كل هذه افتراءات ونحن شيء اخر يتغير باستمرار

هل نحن شعب متدين طبعه ام يتخذ الدين الذي يرتضيه ويختار شكله وملامحه ستارا له ويفعل ما يشاء ويبرر لنفسه بدينه الذي اختاره

كان يجب ان اذهب للشيخ طلبه لافهم منه، هل يوجد في مصر مشايخ وعلماء صادقين ومخلصين ام كلهم يأكلون بلحيتهم ويشربون بعمامتهم

من منهم لم تطاله اصابع امن الدولة الدنيئة فتركها تبعث به وبعقله دون استحياء او خجل

من منهم لم يخش في الله لومة لائم ويفهم عن الله مراده في خلقه، لا ان يفرض علي الناس بالباطل علاقة المحكوم بالحاكم التي صنعت من الحكام الهة صغيرة علي مدار التاريخ الاسلامي

 

احاول ان الا افقد رشفة الامل الباقية وقداوشكت ان تجف، احاول الا افقد ايماني بهذا الشعب الطيب المغلوب علي امره الخبيث الذي قد يشمت في الموت ويفرح بالدم

 

قررت الذهاب اليه لكي اتحدث فبعد الانقلاب وانهيار الاحلام اصابني الصمت والاكتئاب

وبعد موت الاصدقاء ورؤية الدم ورائحة الجثث المحترقة كان يجب ان اتعافى كي اكمل مسيرة الحياة

واخيرا كنت اريد ان اعرف سنن الله في ارضه، فالله لم يترك العالم بل معنا يسمع ويرى...لا اعترض علي حكمه او قوانينه اريد فقط ان افهم

 

كل ما سبق كان يدور في ذهني بدوي لم ينقطع وانا اسير في شوارع حي السيدة زينب تقتحم انفي روائح عديدة مختلطه، رائحة المخلل مع الكباب ثم رائحة الحبر والمفروشات ثم البسوسة والحلويات..هذه الروائح تصنع عالما باكمله في ذهني، هذا واقع رباعي او خماسي الابعاد قد لا تجده في مكان اخر

مشيت في الشوراع اتأمل الناس هذا الشعب المحير والذي في النهاية اشعر نحوه بالشفقه والاسي

وصلت للبيت القديم المصنوع من الحجر الكبير والذي تم تنكيسه منذ زلزال 92 ولكنه لا يزال يبرهن ان اتقان صناعه يتفوق علي خبرة مهندسين الحي.

دخلت البيت ولم اعرف لماذا اشم رائحة موت، يوجد في هذا المكان جو من الحزن له ملامح ورائحة، انقبض قلبي وانا اوشك ان اطرق الباب، فماذا سيكون ورائك ايها الباب فقلبي لم يعد يحتمل الموت مرة اخرى.

انتظروا التدوينة القادمة قريبا

Sunday, June 9, 2013

عبر الزجاج

 

-          لمااذ لا تكتب مضي عليك زمن طويل لم تكتب، اجف لديك المعين، ام زالت عنك شهوة الكتابة

 

-          سأكتب كثيرا حين اعود

 

-          اين انت اذن

 

-          لا اعرف

 

-          كيف لا تعرف ان كنت لا تعرف، فانت هنا، انت لست في اي مكان اخر

 

-          لا انا لست هنا، اتواصل معك ولكن بجزء مني، الكثير مني ليس هنا

 

-          اين اذن، كيف تكون موجود وغير موجود

 

-          لا ادري، اكتشف فجأة ان ما هو موجود مني ليس كل شيء، عرفت اني غير موجود بالكامل حين بحيث عني فلم اجدني

 

-          كم مر عليك والكثير منك غائبا عنك

 

-          لا ادري، اشعر كأني دخلت ممرا طويل فقدت في الكثير من نفسي، ذكرياتي تحديدا وجزءا كبيرا من شعوري واحساسي بالعالم حولي، لست انا من يتكلم او يشعر او يتألم، لست انا من يفرح او يحزن، شخص اخر، او شخص غير مكتمل

 

-          كيف اكتشفت ذلك

 

-          ظللت فترة طويلة يزاولني شعور بالارتباك والحيرة، اتطلع دائما لمكان اخر لا اره، لا اشعر اني اتشبع باللحظات، تمر ولكنها لم تمر، او انها تمر ولكني افقد التركيز والاحساس بالزمن ، لا اعرفني احيانا، استغربني..بعد فترة سيطر علي شعور العزل، شعرت باني معزول، يحيط بي جدار سميك شفاف من الزجاج، اري كل شيء حولي ولكن لا اشعر به او لا يصلني منه اي شعور او احساس، ذكرياتي ايضا تم تغليفها في بلورة مجوفة لا اكاد اصل اليها...ادركت ذلك حين قابلت الماضي الذي انفصل عني، قابلته بقوة في مواجهه فاصلة بالذكريات القريبة الحميمية، تسبب في شرخ البلورة، شعرت بجزء مني ساعتها رد الي، لا ادري هل هو شعور ام ذكري ام شعوري باكتمالي، كان ذلك للحظات ثم اختفي كل شيء، صحيح عدت كما كنت، ولكن هذا الشرخ في العزل اعطاني امل في الحياة مرة اخري كما كنت، انا لست هذا الشخص، او لست فقط هذا الشخص، جزء كبير مني مهم وحيوي ليس معي

 

-          اين تظن ان يكون؟

 

-          لا ادري قد يكون مختبئ داخلي،  قد يكون ذهب في بعد اخر، يعيش معي بالتوزاي ولكن دون اتصال حقيقي

 

-          لماذا حدث ذلك، هل تعرف السبب

 

-          هذا يحدث غالبا عندما يمر الانسان بصدمة كبيرة يفقد فيها اجزاء من نفسه، او تختفي ، ولكني لا اذكر اني مررت بتجربة كذه، هل ممكن ان يمر الانسان بصدمة كبيرة ولا يعلم، هل قد يكون اختفت ذكري الصدمة مع ما اختفي، هل كانت الصدمة اكبر من ان اعيها او اتذكرها، هل قد تكون عدة صدمات صغيرة توالت علي نفسي كونت خلالها طبقات من الزجاج الشفاف، فاصبحت ارى ولا اشعر، اعيش ولا احيا

 

-          ما الحل اذن

 

-          لا اعرف، ابحث الان عن نفسي، عن اي جزء مني، اجري وراء اي خيط من الواقع يشدني الي ذكري من ذكرياتي، افتش عن اي رائحة عطر شممتها في صباي، او اغنية كنت اسمعها لعلها تحمل عليها اثرا مني، اجمع شتاتي، لعلي استطيع ان اعود الي حدودي القديمة، حدودي الحقيقية

 

-          تعرف كلامك عن الحدود الهمني بالحل

 

-          ما هو الحل

 

-          الانتفاضة، مهما كان عدوك مهما اصابك فلن يصمد امام ارداة قوية وتصميم حقيقي، ان تنتفض بحق ، ان تمسك بيديك الحجارة فتقذفها علي الزجاج الذي يعزلك عن نفسك، ان تعود مع نفسك كطفل حجارة مرة اخري تكسر القيد وتهزم العدو، وتعود لنفسك مرة اخري، الحل لن يأتي من خارجك، لكن يكون الحل هو التعايش فسوف يضيع منك كل يوم جزء صغير، ستختفي وتنتهي بعد ايام او سنين، لا يهم...لا تهرب بل ابق مكانك دافع عن حقك في الحياة كاملا كما خلقك الله، بكل مشاعرك واحساسك وذكرياتك الغالية

 

-          صحيح من انت، نسيت ان أسألك

 

-          انا لست غريبا عنك، انا منك ولكن لا تراني

 

ثم اختفي الصوت كأنه حلم او كأتصال مر عبر الزجاج