Friday, May 22, 2009

انا ومصر والشيخ طلبة

عندما حانت اجازتي التي انتظرتها كأنها الزواج وصار يفصلني عن مصر وامي واصدقائي ساعتين ونصف هم زمن الذي تقطعه الطائرة كان يجب ان ازور الشيخ طلبة ، لاني افتقده بشدة هذا اولا وثانيا لان هناك الكثير من الاحداث الملتهبة التي حدثت وتحدث وستحدث في مصر
احداث غزيرة كفيلة بان تفتح باب رزق لعشرات الصحف والقنوات الفضائية
وهذا ما يفسر زيادة عددهم بشكل يصعب علي الحصر والمتابعة
ذهبت الي بيته وبداخلي شوق عارم مثل شوقي لكل مصر التي رايتها اجمل بلاد العالم وانا في السودان ، لاادري هل ستكون كذلك ان سافرت الي اسبانيا او جزيرة قبرص الصغيرة
كان الشيخ طلبة كعادته يتكئ علي اريكته الخشبية ويتوسد مخدة من القطن التي كبست وضغت من كثرة الاستعمال وكانت ملامحه كما هي وان ذادت كمية التجاعيد التي تغري باحث جيولوجي بان يتتبع مساراتها
اول ما دخلت عليه القيت نفسي في حضنه وقبلت يديه
انا :ازيك يا شيخ طلبة عامل ايه واحشني جدا
اشاح الشيخ طلبة بالمنشة التي بيديه كأنه يداري تأثره وقال : ازيك انت يابني والله وانت كمان واحشني جدا بقي كده كل الغيبة دي ؟
انا : معلش يا شيخ طلبة اظاهر اني علشان مادخلتش الجيش فشاء القدر ان اقضي العقوبة في السودان
ابتسم في صعوبة يحاول ان يحرك كم التجاعيد المحفورة بوجهه وقال : المهم انك تتعلم ، امال هتحكي لعيالك ايه لو كنت قاعد طول عمرك جنب ابوك وامك
قلت : يا شيخ طلبة هحكي لهم قصص ادهم صبري ورفعت اسماعيل
تحركت تجاعيده هذه المرة بشكل اكثر كانها ابتسامة وقال :اوعي تكون لسه بتتعاطي القصص دي
اشرت باصبعي السبابة نافيا : اطلاقا يا شيخ طلبة دانا حتي شاب داخل علي جواز انا ممكن اقرائهم بس من منطلق اني ادرس اسلوب وطريقة كتابة
وقال وقد شك في كلامي : مادات عايز تدرس اسلوب وطريقة كتابة عندك محمود عباس
قلت متسائلا : مين محمود عباس
قال وابتسامة سخرية علي شفتيه : محمود عباس العقاد ، ايه مش عارفه؟
لم تكن صدمة قوي فقلت : طبعا يا شيخ طلبة عارفه واكيد هتقولي مصطفي صادق
جاء دوره في التساؤل وقال : مين مصطفي صادق ؟
قلت وانا لا املك نفسي من الضحك : مصطفي صادق الرافعي يا شيخ طلبة ، يا خوفي لتكون بتقرأ سفاري؟
قال وهو يتصنع الحزم الغاضب : تحشم يا ولد .
قلت وانا سعيد : والله واحشني يا شيخ طلبة ،تخيل اني مشتاق لمنقوع الدوم يا شيخ طلبة ، هو فين؟
نظر الي بغيظ وقال : ملهوش لزوم ، هنشرب شاي ، قولي انت عامل ايه وايه اخر اخبارك ؟
قلت: علي فكره يا شيخ طلبة انا شبه خطبت
قال : يعني خطبت ولا مخطبتش
قلت : خطبت يا شيخ طلبة
قال : عن ايه ؟
قلت :عن ايه ايه يا شيخ طلبة ، مش خطبة علي المنبر يا شيخ طلبة ، احنا شبعنا خطب ، انا اتقدمت لوحدة ، بنت ، عروسة ، جواز ، بيت واسرة ، خطوبة يا شيخ طلبة .......و
قاطعني بصعوبة وهو لم يملك نفسه من الضحك : كفاية يابني فهمت، الف الف الف مبروك ايه الاخبار الحلوة دي وياتري مين تعي.... سعيدة الحظ
قلت : اللي بالي بالك يا شيخ طلبة ، انت نسيت ولا ايه ؟
قال : مش اللي بتقول : الهي ألا لمح.....م
قاطعته : ايوه يا شيخ طلبة هي
قال طيب الحمد لله ربنا يتمم بخير بس يابني دي بتكتب احسن منك ، كيف ستتحقق القوامة ؟
قلت : مهو محدش هيقلها يا شيخ طلبة ، ان شاء الله لما اعمل خطبة بشكل رسمي لما ارجع من السودان وهقول للعالم كله ان شاء الله
دعا لي كثير وسعل كثيرا وضحك كثيرا وتغيرت نظراته لي صار فيها نوع من الخبث وانا ولاول مرة اخجل

قلت مغيرا الموضوع : مش عايز القعدة تضيع علي الفاضي فيه حاجات كتير نفسي اسألك عنها
قال : قول يابني اللي في نفسك علشان مترجعش السودان وانت في نفسك حاجه
قلت :طيب قولي انت شايف الوضع حاليا ازاي مصر عاملة ازاي وسط هذا الزخم من الاحداث الملتهبة
قال : اجمل كلمة قرأتها تحكي عن الوضع الحالي هي :
عندما تمتنع القوى الداعمة وتتبعثر القوى المهيمنة وتنشط القوى الطالبة هنا تكن الفرصة التاريخية للتحول...
قلت : المهم مين اللي يستغل الفرضة ؟ طيب يا شيخ طلبة انفلوانزا الخنازير والوباء الجديد ده ايه رايك
قال : هل تذكر حديث الرسول صلي الله عليه وسلم (يا معشر المهاجرين خمس خصال إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا)
قلت : صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم ، بس دي كارثة عالمية يا شيخ طلبة
قال : ربنا يرحمنا يابني ، العالم مليان ذنوب ومعاصي ، لو اخذت نظرة علي العالم هتلاقيه زي ما قلت قبل كده توجد ملايين العقول التي تبرر الباطل وتزينه وتقويه وتحليه ،هناك عقول جبارة ليس لها هدف الا ان تعطي قوة وحق للباطل وتجعل لها منطقا صلبا امام ضربات اهل الحق الاصليين واهل الحق اصبحوا قلة اصبحوا ضعافا صاروا يواجهون الجموع ،الجموع التي جيشتها تلك العقول الجبارة ،صار الحق ضعيفا ،وتبدلت المفاهيم..صار الاتزام تزمتا..صارت العفة كبتا..اصبح الدفاع عن الارض والعرض ارهابا..صار الشذوذ حقا..صار القتل والفتك والدمار مبررا..صار الفساد طبيعه..صار الكفر شرفا..وصار التدين تخلفا..واصبحت الحياة عبثية بلا معني ؟؟الى اين تسير البشرية؟انها الان صارت تستحق العذاب ،لقد فعلت جميع موبقات الامم السابقة
قلت وشعرت ان دموعي تحاول ان تفر مني : فليرحمنا الله يا شيخ طلبة ، نخشي ان يعمنا الله بعذاب ، يارب سلم سلم
قال : ما يطمئنا ان الله لو اراد ان يهلك البشرية لاهلكها من زمن بعيد ولكنه يؤدبها ويرفق بها والا ما كان معني تسونامي وهذه الامراض ، انها لا تنفي البشرية ولكنها وسيلة ردع وتأديب ،لقد وصلنا الي درجة بالغة من السوء
قلت : الحمد لله ، طيب يا شيخ طلبة انا حاسس ان الصورة غامقة قوي ، مفيش امل
قال : يابني قلت لك ما دام الله لم يهلك البشرية بعد ، معني ذلك انه يعطي فرصه جديدة مع كل يوم لكن من يريد العمل والتعب ، لو كففنا ان ننتظر المخلص والمعجزة والخوارق وبدأنا نعمل وندعو ونضحي ساعتها هنقدر نحقق حاجه ، والحمد لله فيه ناس كتير اتحركت واشتغلت وثمرة الشغل ظهرت ممكن نبقي نتكلم في المظاهر دي بعدين ، لكن فيه تغيير في خريطة العالم والحمد لله فيه امل
قلت : الحمد لله ، طيب يا شيخ طلبة ..
قاطعني بالمنشة في يده : مش كفاية كده
قلت : اخر سؤال يا شيخ طلبة وهقوم من نفسي ، رايك ايه في زيارة اوباما وانه عايز يخاطب العالم الاسلامي من مصر
سكت قليلا وقال : بس انا اللي لفت انتباهي اكتر مش الزيارة لكن فكره ان النظام في مصر بقي يتكلم فجأة عن مصر الاسلامية والعالم الاسلامي مع ان دي كانت حاجه عيب كلهم كانوا بيقولوا العروبة ومصر العربية والعرب لكن كانوا بيتكسفوا انهم يقولوا ان مصر اسلامية وانها قلب العالم الاسلامي
قلت : ايوة فعلا يا شيخ طلبة بس اظاهر لما امريكا قال مصر اسلامية وانها البلد التي تستحق ان يتحدث منها اوباما للعالم الاسلامي صارت كل الصحف ووكالات الانباء والفضائيات يتحدثون عن مصر الاسلامية

اخرج الشيخ طلبة من جيبه ساعته العتيقة المعلقة بسلسلة فضية وفتح باباها وقال : يلا امشي
قلت يا شيخ طلبة : لسه عايز اكلمك عن حاجات كتير عن موقف شعب مصر من وفاة حفيد الريس وعن قرار احالة اوراق هشام مصطفي للمفتي وعن الازمة الاقتصادية ......و
ضربني بالمنشة الخشب محاولا اسكاتي وقال : قلت لك كفاية المرة الجاية
قلت : انا راجع السودان يا شيخ طلبة مش هيكون فيه مرة جاية
قال : وفي الاسكاي بي مندوحة لك
طيب يا شيخ طلبة ادعو لي

اذهب ابني في امان الله ورضاه