Wednesday, August 15, 2007

هندية

هندية هي جدتي.. التي رحلت عني منذ سبع سنوات
نعم منذ سبع سنوات مضت ماتت جدتي
والان انا استفيق .. الان بدأت ادرك انها قد ماتت
عندما اخذت اجازة الصف الثاني الاعدادي ارسلتني امي لاعيش مع جدتي كي اساعدها والبي لها كل ما تريد
وكم كانت سعادتها وكم كانت سعادتي وانا انتقل الي هذا العالم الاخر بكل اشخاصه واماكنه وبشخصية جدتي
ذهبت اليها وقضيت معها كل الاجازات حتي تركتني في اجازة الصف الثاني الثانوي
كانت جدتي حنونه وعطوفه للغاية رغم انها كانت امرأة قويه تحملت الكثير في حياتها حتي حققت كل ما تريد
عائلة جدتي يتميزون بصفتين الذكاء الشديد والبشرة البيضاء المشربة بحمرة فتجعلهم اقرب ما يكونوا للانجليز
وكانت جدتي جميلة جدا وعيناها زرقاء صافية وقالت لي ذات مرة ان الانجليز-حين كان الانجليز في مصر-كانوا يعاكسونا وهي صغيرة
وكان هذا يكفي بالنسبة لي ان القي الانجليز جميعهم في البحر ولكن يبدو انهم قد شعروا بخطئهم فأخذوها من قصيرها وتركوا البلد
وكانت جدتي غاية في الذكاء بجميع انواعه
كانت احيانا تطلب من احسب حسبه معينه وطبعا لاتوجد الة حاسبة فأضطر احسب بالشكل التقليدي لاجدها جاءت بالناتج قبل ان اقول يتبقي معانا كام من عملية الضرب الاولي
وكانت لديها ذكاءا اجتماعيا خارقا علمتني كيف اتعامل مع الناس وكيف ان لكل اسلوبه واشياء كثيرة
وكانت محبوية من الجميع لم اجد احد لا يحب جدتي
ولكن من السهل ان تجد انسان ذكي ولكن صدقني من الصعب ان تجد انسان زكي وطيب في نفس الوقت وهكذا كانت جدتي لا تستخدم ذكائها الا في كل خير
وكانت جدتي كريمة للغاية وليس ادل علي ذلك من انه بعد وفاتها وجدوا في اغراضها الخاصة للغاية وصلات تبرع لجمعية خيرية لم يعلم عنها احد طوال سنين عديدة الا الشخص الذي يأتي ليأخد منها التبرعات
وذات يوم وانا عندها ماتت جارة لنا وكانوا علي عادة اهل البلد يأتي كل الجيران بما عندهم من الفرش والكنب لاستقبال الناس
واعطتني جدتي بعض من فرشها العزيز عليها وقالت لي ان احفظة جيدا كي لا يختلط مع غيره
ولكن للاسف رجعت بغيرهم فما كان من جدتي الا ان قالت لي اذهب بهم الي الجامع ولم تعنفي او تعاقبني ولكن لامتني بشكل لطيف كي انتبة جيدا لما يقال لي
كانت جدتي تصلي الفجر في وقته وكانت تيقظني وبكل الطرق والوسائلالتي تؤدي الي ذلك , وكانت جدتي في اواخر ايامها يجافيها النوم فلا يأتيها بسهوله فكانت تقيم الليل حتي يأتيها النوم
وكانت تطلب مني ان اسلفها قليلا من النوم حيث كنت فور ما اضع رأسي علي الوسادة الخضراء اذهب في نوم عميق
وكانت من احدي مهامي الصغيره انذاك ان اذهب الي البيت البحري الذي كتبت عنه قصة اسمها البيت البحري والغرقة المغلقة كنت اذهب الي البيت البحري كي اطعم الدجاج الغاضب دائما اضع له الماء والذرة وكنت عندما ارجع تكيل لي جدتي الدعوات لي ولابناء عمي ولابناء عماتي ولابناء خالي ولابناء خالاتي ولكل امة النبي علشان خاطري
فليرحمك الله يا جدتي
كانت جدي تعتبرني الراجل بتاعها فكنت لاافارقها ولا تسمح لي بذلك
وكان اكثر ما يظر في علاقتنا هو اختلاف الجيال, كان هذا يظهر جليا في ابسط الاشياء كان لها رأي وكان لي رأي وكنا نختلف ويتحيز كل منا الي رأيه هي تعتبرني احمق وانا اكاد اشد ي شعري كيف؟ لقد تربيت علي هذا المنطق فكيف يكسر هكذا
كنا نختلف بداية بكيفية تسوية الرنجة وحتي المسميات والالفاظ
ولكن تأتي امي اكرمها الله لتحسم الموضوع وتوضع هذا اللبس في الفهم وتستخدم الالفاظ التي تفهمها جدتي وافهمها انا فيتنهي الخلاف
وكنت ادمن قراءة القصص وكنت انكفئ علي القصة ساعات طوية لا اقول شيئ ولا افعل شيئ
ولم يكن هناك اكثر ما يغيظ جدتي الا ذلك
وكانت تهددني وتدواعدني وكانت كلما تنادي علي اقول لها حاضر بس اخلص الحتة دي
وحتي كانت اليوم الحاسم وقررت ان تحرق القصص علي النار
واستخدمت في هذا اليوم رصيدي كله من الاعتذرات والرجاءات والمسامحات والوعود البراقة حتي استطعت ان استخلصها من يدها ولكن ترجع ريما لعادتها القديمة
وكنا بعد العشاء نلعب بالكوتشينة وتذكر انني كنت اغلبها دائما فكانت تكيل لي الشتائم التي هي تنصب بالمقام الاول علي والدتي مثلا ان تقول ان والدتي بلا شعر او اني والدتي تعاني من دوخة بسيطه وقطعا لم تكن الشتائم بهذه الرقه ولكني احاول ان اقربها
ولكني لم اكن أعبا بذلك فهي تشتم بنتها وانا مالي
كانت تحبني وكنت احبها وكنت لا اتصور انه قد يأتي يوم ولن اذهب فيه لجدتي صباح كل عيد اعيد عليها وأأخذ الي فيه النصيب
بعد وفاتها استوي عندي ان اخرج او لا اخرج
كانت تدعو لي كثيرا جدا واذكر انه قبل امتحان الكمياء في الصف الثاني الثانوي اتصلت عليها وطلبت منها الدعاء والحمد لله لم انقص الا درجة واحده
وعندما جاءت اجازة الصف الثاني الثانوي وذهبت الي جدتي اصابها مرض شديد ولكنها قصت علي رؤية انها كانت تركب سفينة ونزلت علي جزيرة
وكنت حينها قد اشتريت كتاب تفسير الاحلام لابن سيرين وكان تأويل السفينة في الحلم انها محنة سيمر بها صاحبها ولكنه سينجو منها
وقد كان
شفي الله جدتي وعادت تضفي البسمات والحياة علي الموجودات من حولها
وجاء شهر اغسطس مسرعا
جاء ومعه تاريخ وفاة جدتي
جاء ومعه الوقت الذي تتوقف فيه جدتي عن المضي قدما معنا في الحياة
كان ذلك يوم جمعة بعد ان سقطت جدتي في غيبوبة عميقة وكان ذلك بعد ان صلت الفجر وقالت الاذكار واورادها اليومية علي سبحتها السوداء التي هي 97 حباية فقط ولا ازال احتفظ بها
سقطت جدتي في الغيبوبة حتي صباح اليوم الثاني
وكان عندي امل انها ستقوم وسترجع
كان عقلي لا يستوعب معني الموت اطلاقا
ارسلوني اشتري لها شيء ما فأشتريت الحجم الكبير منه ليقيني ان جدتي لن تموت
وتجمع الناس من كل مكان
كل من احبتهم واحبوها
كل من اعطفت عليهم
كل من احنت عليها
كل من ساعدتهم
وكل من لا يعرفونها
وامـتلأ البيت الواسع عن اخره وامتلأ الشارع
وطلبوا من ان اذهب كي أاتي بمفتاح الجامع كي نخرج منه الفرش كي يجلس عليه الناس وذهب الي بيت خادم المسجد لتسألني زوجتة:هي ماتت؟
فرددت عليها بكل ما يعتمل في نفسي من حزن وغضب : انتي ليه بتقولي كده؟ جدتي هتعيش ان شاء الله
وتركتها ودموعي تريد ان تغادر مقلتي
وكان ممن تعرفت عليهم في هذا العالم عبد النبي صاحب المحل الوحيد في بيت جدتي وكنت ارتاح اليه واحبه كثيرا ذهبت اليه بعقلي الصغير الذي كان عليه ان يستوعب اشياء اكبر من حجمه
جلست معه وكان يواسيني ويشجعني ويطمئني وسألني ان كنت صليت العصر فأخبرته انني لم اصليه فقال لي اذهب وصلي وادعو لها
وبالفعل رجعت الي البيت كي اتوضأ وانا اتوضأ جأتني ابنة خالي لتقول لي وملامحها مذعورة جزعة يبدو انه حدث شيء وهذا الشيء كان بالتأكيد اللحظة التي تفارق فيها جدتي دنيانا
جريت نحوهم فوجدت التعبيرات علي الوجوه لا تقول شيء الا انه قد حانت اللظة التي كنا نخشاها جميعا
ولم احتمل اكثر من ذلك
وجدت نفسي اهرب
لم اتحمل الانتظار
وجدتني اجري لا ادري الي اين
صعدت السلالم في سرعه لا ادري كيف
ووجدت نفسي علي السطح وانا في حالة ذهول شديدة
لم يكن يفيقني ويرجعني الي الواقع الا اصوات النساء التي تأتي من بعيد وهو تصرخ وكانوا يخرسونها طبعا
كان عقلي يصر علي الهروب
وبالفعل هرب
وانمحت فجأة اشايء كثيرة من ذاكرتي
او انها قد اختفت
لم اصدق ان جدتي قد ماتت
ولكني كنت ابكي
وكلما احاول ان اتخيل النوقف واحاول ان استوعبه ابكي اكثر
تذكرت اني لم اصلي بعد
صليت علي ارضية السطح الصلبة
ولا اذكر كم قضيت من الوقت وانا علي هذه الحاله
وحيدا فوق السطح احاول ان استوعب ما يحدث
وبعد تلك الفترة تركت السطح ونزلت
ودخلت غرفة جدتي
وازاحت لي امي الغطاء من علي وجهها
كانت عروسه
كانت جميلة
وملامحها هادئه
كان نورا يشع منها
كنت اريد ان اقبلها
ولكني لم استطع
كنت ابكي
قالت لي امي لقد كانت تحبك
قلت لها وانا كمان
وتركت المكان مسرعا
كانت جنازتها مهيبة اعداد غفيرة من كل مكان جاءت تودع جدتي
ماتت جدتي ومعها مات عالمها كله وكأنه مات بموتها
كان مسرحا ومات البطل فأنفض كل شيء
لم اعد اذهب الي هناك الامرات نادرة
كنت كلما اذهب هناك
واري غرفتها او اري البيت البحري ومعالم العلم هناك كان يدق في رأسي وعقلي كي يعدني الي الواقع الذي هربت منه حينما جريت نحو السطح
وذات يوم وجدت الكوتشينة التي كنا نلبع بها سويا في يد الاطفال فغضبت غضبا شديدا وانتزعتها منهم
ولا زلت احتفظ بها حتي الان واشاء اخري تخص جدتي هندية عليها رحمة الله
وبعد سبع سنوات بدأت ادرك واستوعب واصدق ان جدتي قد ماتت
وبدأت استعيد الذكريات الجميلة التي قضيناها معا
وبدأت اتذكر ملامحها الجميلة
وعدت اتذكر وقع كلامها في اذني
بعد سبع سنوات
جدتي
فليرحمك الله

3 comments:

عصفور المدينة said...

رحمها الله وكأنك تحكي عن جدتي
رحمها الله
1919-2002
رحم الله جميع امواتنا

ومضات .. أحمد الجعلى said...

لا أدرى لماذا أريد أن أقول نفس ما قاله عصفور المدينة، "وكأنك تتكلم عن جدتى"

يبدو فعلا أنه كان لهذا الجيل بصمته الوجدانية الخاصة ونكهته التى قد افتقدناها بالفعل فى مجتمعنا الذى ندعى أنه قد بلغ أوج الحضارة والسلوكيات الحضارية.

رحم الله جدتك وجداتنا جميعا وجمعنا بهم على خير فى جناته ومستقر رحمته

Anonymous said...

رحم الله من مات ومن عاش
الناس بتوع زمان كان اجمل حاجة انهم بيعبدوا ربنا علي فطرتهم يعني مثلا لما يحتاج حاجة يرفع يده للسماء مش محتاج يعرف يرفعها ازاي
وهل يضم ايده ولا
هل يرفعها لفوق ولا يحطها علي وشه
المهم انه بيدعي وخلاص
في موضوع عن جدتي الله يرحمها عندي في المدونة اعتقد نفس الكلام بس مختلف شوية
hafedelya3qopy.com
والسلام
اخوك اليعقوبي