Saturday, November 20, 2010

الخطاب الاخير

هذا هو السفر الاخير
قدر الصغير مع الكبير
والموت سهم نافذ يفني الغني او الفقير

هل مات الشيخ طلبة حقا ام ان ما حدث كان حلما بل كابوس احمق
هل امس كان حقيقيا ام خيال مرهق بئيس
هل حقا علمت بخبر وفاة شيخي ومعلمي الشيخ طلبة
وتركت كل ما بيدي وبعقلي واسرعت مجنونا للسيدة زينب، لبيته الاثير، اراه...للمرة الاخيرة
صدمات حياتنا تشكلنا بنفس درجة قربها منا
سمحوا لي فقط ان ادخل عليه كما كنت ادخل دائما في السابق ولكنه لم يكن متكيء علي مقعده المقدس ولا تتحرك منشته في حركتها الدائمه رغم خلو الغرفة من اي طير
كان شيخي العجوز صاحب البريق الامع في عينيه
صاحب العقل الفتي والاحساس الدفاق
كان هناك بجسده العذب مسجي علي فراشه
وكعادتي دائما لم يستوعب عقلي معني انه قد مات
اين ذهب بكل ما فيه من علم ودموع وابتسامات وروح وحكمة وتوجع وفرح
كيف يتواري كل ذلك تحت التراب مع جسده
مات الشيخ طلبة وأخذ مني شيء ما معه
شيء يجعلك خائفا كما لم تكن من قبل
شيء يجعلك تشيخ قبل اوانك بسنين
شيء ما ولن تدركه
العالم مخيف يا شيخ طلبة
رغم سني عمري التي تقترب من حدود الثلاثين الا اني كنت اعتبرني طفلا صغيرا تائها في رحاب حكمتك
لو كنت ادرك ان الموت أمن لكنت طلبت ان ارحل معك
كان الامس يوما جديرا ان يملأ حياة بأكملها
قبلت جسمانه الطيب وتشبست بيده الساكنه لثوان استمد منها شيء ما لعل فيض من حكمة او يقين يتسلل الي
كنت احتاجك الان يا شيخ طلبة كي احكي لك كيف فقدتك
اريدك ان تخبرني كيف اصنع وكيف اتصرف
تركته وخرجت من غرفته خاوي الجوف محترق
سمعت أحد ما يناديني علي استحياء
كانت حفيدته الصغيرة التي اعتدت ان تفتح لي الباب دائما
اعتقد انها تودعني الوادع الاخير انا ايضا
كانت عيونها حمراء وتمسك في يديها ورقة مطوية تمدها لي
قالت:لقد تركتها جدي لك، واوصاني قبل موته ان اعطيها لك، قد كان يحبك
قالتها واندفعت للداخل باكية
كنت اشعر اني احيا في اللامكان واللااحساس
اسير كالسائر علي القمر لا يشعر بملمس الارض الصلب
في الشارع كان هناك اناس كثيرون ينتظرون موعد الجنازة
انزويت في ركن بعيد وجلست علي الارض وفتحت الورقة وأبعدتها قليلا عن طريق دموعي
وطالعتني سطور الشيخ طلبة بخطه المهتز بفعل السنين
بني الحبيب
لعلي لا اكون في الحياة حينما تقرأ هذه السطور القليلة التي اردت ان ابث فيها كل ما سيمنعني الموت من ان اعطيك اياه
أحببتك من كل قلبي من اجلك ولانك واحد من هذا الجيل المسكين في ذلك الزمن العجيب
مساكين انتم في عالم مفرداته اصعب واقوي من عقولكم ومن قدراتكم
ستنحتنون في اسوار عاليه لكي تروا النور
سيكون نقل الجبال اهون عليكم قليلا من تنظيف بلادكم من الفساد او ملاحقة اثاره
كنت اشعر ان علي مسئولية كبيرة لهذا الجيل
ولا املك الا بضعه كلمات لعلها تفيد او تجد اذن واعيه
لا سبيل إلا بعوده عاقله مدركه لكتاب الله وسنة نبيه واستعياب حقيقي للواقع وطبيعه الصراع وماهية الاعداء
لا سبيل الا بيقظه عميقة تدب في اوصال كل الناس
لا سبيل الا بعلم بإيمان او إيمان بعلم
لا سبيل الا بيقين صادق قوي بأن الله لا يزال يحكم هذا العالم ولم يتركه لعصبة من الظالمين او الجبابرة
الله قاهر قادر وشاء ان يجعل كل شيء بسبب
كونوا انتم السبب لانفاذ اقدار الله في الارض
رسالتي لكل اخ ملتزم إن كان يهتم بالعلم الشرعي وبالصحيح والضعيف وما يناقض العقيدة واسباب انحراف المعطله والمشبهه أن يولي بعضا من اهتمامه بالحياة من حوله ويدرك ابعادها من خلال تلك اللعبة الكبيرة التي رغم وعيه من وجهه نظره الا انه لا يزال جزء منها
جزء صغير
لا نصر حقيقي الا تحت لواء الله
ولن يكون تحت لواء الله معقدون او فاشلون او مرضى نفسيين
بل اخوة في الله يتشربون بعقولهم كتاب الله وسنة الحبيب محمد
مسلحون بعلوم الحياة التي تجمع ما بين علم دين وعلم دنيا
تجمع بين الحكمة وعلم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ
هذا هو السبيل يابني
يعز علي فراقك
ولكنك تعلم انها دنيا
مجرد دنيا
نلتقي عليها حينا ثم نفترق
المهم اننا حين نلتقي يكون كل منا معه ما يقر عينه
ورغبتي الاخيرة منك أن تكتب سلسلة قصصية عن حياة شاب مسلم حقيقي يعيش في القرن الواحد والعشرين ويعيش حياة حقيقية واقعيه منطقيه بلا مثاليات تقلتها او هبوط يلوثها
بل حياة بشرية تصبح رصيد حي لكل شاب حيران كان قدره ان يكون من هذا الجيل المسكين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والي لقاء في مقعد صدق

وداعا والقلوب دم
ذرا الاحزان تتضرم
ودمع ساكب يجري
علي الوجنات يرتسم
فراقك فت في عضدي
وشل لاجله القدم
ورمسك بات في خلدي
مادام عاشت القيم
رحلت بغير ما خبر
وذاع بوجدي الالم
فجعت وقلبي المكلوم
لا يرقي فيلتئم
حميدا كنت في الدنيا
كريم الطبع ملتزم
وكنت لنا بها املا
وسعيك في الهدي قدم
وعشت بها علي حذر
وغيرك راتع نهم
وانت اليوم في شغل
وجرحي نازف كلم
فياربي رفعت يدي
وكلي خاضع لكم
الا ادخله دار رضاك
وفي الفردوس ينتظم

5 comments:

abdo said...

السلام عليكم
كيف حالك يا أخى
حزنت كثيرا لوفاة الشيخ فدائما ما كان يوضح لنا وشرح لنا أمور نحن فى حاجة لها ولا ندرى عنها ولا التعامل معها
وأعجبتنى جدا رسالته التى كتبها لك كم هو يحبك كم هو مخلص لك ووفى لك
ومن أروع الكلمات هذه الكلمات
"لا نصر حقيقي الا تحت لواء الله
ولن يكون تحت لواء الله معقدون او فاشلون او مرضى نفسيين
بل اخوة في الله يتشربون بعقولهم كتاب الله وسنة الحبيب محمد
مسلحون بعلوم الحياة التي تجمع ما بين علم دين وعلم دنيا
تجمع بين الحكمة وعلم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ
هذا هو السبيل يابني"
رحمك الله ياشيخ
وانا أنتظر السلسلة القصصية
لعلك لا تستطيع أن لا تفى بطلب شيخك

بنت الصالحين said...

رحمه الله وغفر له واسكنه فسيح جناته


الله المستعان لم أستطع أن أتمالك دموعي

Unknown said...

لا حول و لا قوة إلا بالله ،،، بكيته كجدى و أستاذى ،،،،
منذ أيام كنت أتساءل إن كان حقيقةَ أو بطلاً من ابطالك و اليوم الذى أتأكد فيه من الإجابة يكون خبر وفاته ،،، تمنيت كثيراً أن ألتقيه معك و لكن لقاءاً آخر متاح لنا من خلالك ياأخى الحبيب ،،،،
وصيته جديرة بالإحياء كما سيرته ،،،
رحمه الله و جعله فى الفردوس الأعلى و جمعنا به على خير
نلقاك بخير ياشيخ طلبة

Unknown said...

إنا لله وإنا إليه راجعون

الموت ياصديقى هو الحقيقة الوحيدة فى حياة الإنسان
ورغم ذلك دائماً مانغفل عنها.

رحم الله الشيخ وأسكنه فسيح جناته

تقبل مرورى وتقديرى واحترامى
بارك الله فيك وأعزك

Almogadded said...

رحمك الله يا شيخنا ..فلقد عرفتك من خمس سنوات ولم ار الا رجاحة عقل او ادب جم او خيال عميق ....ذهب الشيخ ولكن بقيت الكلمات ...فيا ليت الكلمات تحيا فى الصدور فتكون نبراسا للحياة ونورا للقلوب