Friday, November 5, 2010

ابن حياة

اسمي احمد ولن اكون يوما ما وليد
انا احمد الذي يدخن ويرسب كل سنة عن جدارة واختيار
انا احمد سليط اللسان وأأتي لاهلي بالمصائب والمشاكل اينما حللت
بينما وليد
وليد الذي كان....
"ياريتك انت اللي مت وكان وليد اللي عاش"
قالها أبي في لحظة غضب عنيفة،قالها وهو يطردني من البيت، قالها ولم يكن يدري لو كنت انا وليد لما كنت في الدنيا حتي الان
خرجت من بيت ابي ولم استطع ان امنع نفسي من الحزن رغم قسوتي الشديدة علي اهلي بل علي نفسي، لم اكن ابكي علي كلام أبي فأني اعذره بل لأن ابي بكلامه ضغط علي حرج عميق كنت اداريه في نفسي منذ سنين ولم تفلح محاولاتي الا ان تزيد الامر بؤسا وغما
كلام ابي اعاد الي ذكري يوم مشئوم حزين ،يوم لم يطلع له امل او بركة، يوم بألف يوم،يوما سرق مني كل الايام
ذهبت انا ووليد مع ابي لنروي أرضنا ،هكذا كنا نفعل دائما،كانت ارضنا كائنة في البر الاخر للرياح البحيري الذي يبدأ من القناطر الخيرية مرورا بقرى محافظة الجيزة وحتي يصل لمحافظة البحيرة شمالا
كنا نعبر الرياح بالمعدية التي تعبره منذ مئات السنين ،كانت حنونه ودافئه رغم انها كانت بلا نوافذ ولا تحمينا من تيارات الهواء البارد
ولكني عرفت قيمتها في ذلك اليوم الحزين، هي لم تقصر معنا ابدا هي وقبطانها العجوز عم صالح ولكنا نحن الذين تأخرنا، انتهينا يومها من الري بعد منتصف الليل وكانت هي كأم عجوز تعود لبيتها في العاشرة مساءا
ولم يكن هناك بد من الرجوع ليلا في ذلك اليوم البارد، لم يكن هناك مكان يصلح للنوم، واعتمد ابي علي قارب صغير يخص أحد معارفه لينقلنا للشاطئ الاخر
كنت انا ووليد في القارب البارد نحاول بأكف متصلبه من البرد ان نجدف بقوة تقاوم التيار الشديد
كان كل شيء مستقر فلم تكن هذه اول مرة نعبر بها بالقارب، ارتاح ابي في اخر القارب قليلا من ارهاق اليوم وتبادلنا انا ووليد التجديف
في منتصف الرياح شعرنا بارتجاجة في القارب،مددت برأسي لأري علي ضوء القمر دوامة فضية تجذبنا اليها
في اللحظات التالية تكدست الاف اللقطات والمشاهد في عدة ثوان وجدنا بعدها انفسنا في الماء جوار القارب المنقلب
لحظات عصيبة لا اريد ان اتذكرها ولكن كانت اخر لقطة هي التي تحكي كل شيء ،كانت عندما لمحت ابي يمد يديه لالتقاط يد اخي وليد الذي يجذبه التيار بعيدا عنا
فقد ابي اعصابه وهو يصيح في وليد ان يقاوم ،كنت مذعورا مصدوما لا افهم ،وليد يبتعد وابي ينهار والقمر هناك بعيدا يرسل ضوئه البادر الفضي كخنجر حاد يقطع بها المشهد بيننا وبين أخي والي الابد
مشهد اهل القرية وهم يقفون بالمشاعل قبل الفجر في قبضة البرد يدمي قلبي المجروح
بعد ثلاث ليال وجدنا جثة اخي الذي ودعته جسدا بالغا مفعم بالحياة والحنان صار جثة صماء لا تشبه
قالوا كثيرا عن وليد عن خلقه واخلاقه عن كرمه وابتساماته عن حنانه وتأملاته
ولاول مرة اسمع هذا النعت
قالوا عنه انه ابن موت
كان فيه كل ما يتمناه الاب في ابنه ويجعله يفخر به في اي مجلس
ولكن ذلك لم يشفع له في ان يعيش الحياة
مات وليد بكل دماثته ورفيع اخلاقه وبقيت انا
وانا اريد الحياة
وفهمت اني يجب الا اكون ابن موت
انا ابن حياة
لن اعيش كوليد
سأعيش كأحمد
سأهرب من الموت بسوء اخلاقي
استعدت كل ذلك وانا اتسكع في طريقي البارد وقادتني قدماي لشاطئ الرياح
لنفس النقطة التي فقدت عندها وليد وفقدت فيها نفسي
وجلست ابكي ولاول مرة
لم ادري كم مكثت علي هذا الوضع حتي شعرت بيد تهزني ،كان عم صالح سائق المعدية
كان قد مل من نصحي كلما رأني فقد كنت اقابله بردود قاسية عنيفه
ولكن عندما راني منكسر ابكي شجعه ذلك ان يربت علي كتفي ويتكلم كجد حنون مترفق
تكلم كثيرا عن اخلاقي وصورتي امام نفسي وامام الناس
صحت من بين دموعي اني لن أكون مثل وليد ابدا عايز اعيش عايز اعيش
وزادت رجفتي من البرد ومن ثقل الموقف علي
اخذني في حضنه وقال يابني
نحن يا بني لانموت بالاسباب العظيمة
نحن نموت بأتفه الاسباب
نموت فقط لاننا سنموت
ليس للامر علاقة باي ملابسات
تحدث لنا الاشياء فقط لانها مقدر لها ذلك
وليس لبراعة او ذكاء او ترتيبات او احتيطاات دور في ذلك
وليس لسوء اخلاق او حسنها
واذا اردت ان تعيش الحياة فعش حياة كريمة نظيفة فالموت افضل لك مما انت فيه
أقدار الله نافذة يا بني
تركته في معديته العجوز وسرت بمحازاة الشاطئ اشعر ان استعديني واستعيد ابتسامه اخي الحنون تحت ضوء القمر الفضي

7 comments:

Unknown said...

أولاً فرحان جداً بعودتك للتدوين ببوست كنت متأكد ان هيكون رائع أثناء انتظارى لأول بوست بعد زفافك يا أخى الجميل
الفكرة غريبة فعلاً ،،،، لكن كفيلة بالسيطرة على حياة شخص بشكل تام ،،، و المراكبى فكرنى بالشيخ طلبة ،،، انتَ بارع فى صناعة ابطالك يادرش
لمستنى أن الموت يأتى لأتفه الأسباب ،،، كم من الأحبة افتقدناهم فى لحظة لم تكن ضرورية على الإطلاق
و لكنه يأتى بالفعل أنه قدر لا لشئ آخر
دمتَ بارعاً
بكل الود
أخوك

sakayar said...

أخيراً جائتني الفرصة اللي أقدر أدخل مدونتك وأقرأ وأستمتع بالقراءة بدون مقاطعة عمل أو صديق أو أي شيء
:)
وتدوينة رائعة ومشجعة لاستكمال الاستمتاع داخل جدران مدونتك صاحبة بصمة حياتية بارعة
أنا قلت شهادة أحمد عبدالعدل فيك لا يؤخذ بها لإنه أخوك :) لكن من الواضح إن شهادته كانت في الصميم - مع الاعتذار لمحمد مفيد الشهبندر - وتستحق التحية عليها
:)
--------------
ندخل ع التدوينة بقى
عجبني تصويرك لمعاندة البطل نفسه لان كتير من اللي بنقابلهم في الحياة بيعاندوا نفسهم بنفس الشكل وبيخلقوا مبررات لهذا العناد ... لكن عند لحظة حقيقة بسيطة بيفقد كل هذا العناد والكبرياء المصطنع ويجد نفسه وجهاً لوجه أمام حقيقة لابد من الاعتراف بها
:)
أبدعت يا بشمهندس

واصطنعتك لنفسي said...

لم استطع مقاومة كتابة تعليق عليها هنا في بصمة وجدان.. ربما لإني رأيت تعليقي عليها شفهيا معك لم يكن معبر بشكل كافِ عن رأيي فيها.. وقطعاً لأنها تستحق أن اعلق عليها مرات ومرات.. وبشائر إدمان بات يسيطر علي يدفعني لتسطير تعليق على كل ما تكتب.. وكيف لا وهنا كانت البداية :))

ابن حياة!! لم يخطر ببالي ابدا أي ملامح لفكرة هذه القصة من العنوان.. وهو ما يعكس ابتكارها

هي تصف إحدى محاولات النفس البشرية لتحدي الموت.. كنت اسمع كثيرا عن لفظ ابن موت أو تحديدا (الناس الحلوة ما بتعمرش) لكن هل يفسد أحدهم حياته بيده متحدياً الموت وهو لا يدري أنه لا يتحدى سوى نفسه؟؟

أول ما تنطق به القصة هو النضج الواضح جدا في أسلوبك وإتقان الحبكة القصصية كل مدى أكثر واكثر.. تعلو بها وتهبط في احترافية ترسم أبطالك والجو النفسي وفكر ومعنى في خلفية القصة.. لم تعد قصصك مجرد محاولات قصصية لمدون شاب.. بل اصبحت في انتظار النــور

هي رائعة وإن كان ذكر الموت في أولها كان مقبض بالنسبة لي.. إلا إنها بجمال حبكتها أذابت هذا الانقباض ولم يبق في خيالي سوى ضوء القمر والحكمة والبداية المرتقبة وابن الحياة بحق

ختام القصة ومقولة عم صالح.. رائعة

سلمت أناملك يا بصمة الوجدان
....

عصفور المدينة said...

رائعة يا عريس
بارك الله فيك

تصحيح هاتين العبارتين لأنهما خرقتا جو القصة علي

كنت انا واحمد في القارب البارد


وتبادلنا انا واحمد التجديف

يا عالم يا هوووووووووووو said...

أنا مش هازود أي تعليق عن إللي اتقال... لأني مش هعرف أقول حاجة

برافو عليك بجد

abdo said...

قصة جميله جدا كما عودتنا دائما
وعودا أحمد إلى المدونة ولا تغيب عنا كثيرا فنحن نتنظر كتاباتك بشغف وأوعى الجواز ينسيك المدونة زى ناس كتير .

Unknown said...

تدوينه رائعه تستحق التحيه

بوركتم ،،،