Tuesday, October 20, 2009

نِتفاً من السودان


صنع في السودان
كنت في مصنع جياد السويدي ، هو مصنع لصناعة الكابلات ويعد الوحيد في السودان وهو شراكة بين السويدي للكابلات وبين الحكومة السودانية
كنت في زيارة له حيث كانت هناك كمية كابلات يتعين علي اختبارها بصفتي ممثل المكتب الفني بالسودان
وفي داخل معمل الاختبارات ونحن في انتظار اختبار رفع الجهد علي الكابلات لمدة 10 دقائق لفت انتباهي كلمة صنع في السودان فاشرت لاحد الفنيين في المعمل لهذه الكلمة فابتسم وقد ادرك مقصدي وقال في اسي : اخشي انه هذه الكلمة لا توجد الا هنا فقط
الألفة
عندما نزلت في الخرطوم اول الامر ذهبت من المطار علي اول سكن متاح من مساكن الشركة بشكل مؤقت حتي يتم اعداد مكان دائم ومستقر لي
كان اول سكن عبارة عن شقة في الدور التاسع في برج فخم وكبير حين تراه تظن انه مشطور من جانبه ، قلما تجد في السودان بنايات مرتفعه بهذه الدرجة لذلك فانت من شرفة في شقة في الدور التاسع قد تستطيع ان تري الخرطوم كلها من خلالها
من الشرفة مباشرة تري من بعيد مطار الخرطوم الدولي وتستطيع من غير مشقة ان تشاهد اقلاع وهبوط الطائرات وتسبح في تأملات لا تنتهي عن هؤلاء البشر الطائرين والمستقرين بلا اي هز او دربكة وهم كنقطة معلقة في الفراغ
كانت الشقة مفروشة ولكن بشكل عملي صرف ، صحيح بشكل مريح ولكنها راحة دون حنية من الصعب ان تشعر بألفة في هذا المكان البارد وان كنت تستمتع بكل مميزات المطبخ العصري حتي لانك تجد فيه الجهاز الذي يتم تسخين التوست فيه، شيء كهذا كنت اعتبره ترفا بعيدا
الايجار هنا في السودان مرتفع الاسعار بشكل لا يشجع علي الاستقرار كبيت وأسرة ، فايجار شقة يصل ل1500 دولار ، كم يتبقي من المرتب اذن
كان اجمل ما في الشقة هي تلك المشهد البانورامي الرائع الذي يجعلك تري الخرطوم كلها او ما يتاح لك من هذه الزوية في نفس الوقت
كانت تطل ايضا علي اشارة مرور في تقاطع في الشارع الرئيسي الكبير ، وكنت ارقب السيارات ومدي التزامهم باشارات المرور في ظل وجود الاشارة الاكترونية فقط دون وجود امين الشرطة الذي ينتصب كتمثال في وسط التقاطع ولكن تتحرك ذراعاه في اتجاهات ثابته
ولكن قلت في نفسي لن استطيع ان اختبر مدي احترم السودانيين لاشارات المرور وبالتالي يكون هذا دليل علي الثقافة الشعبية من خلال احترامهم لاشارة المرور في النهار ، فلأنظر ماذا سيكون موقفهم بعد منتصف الليل حيث تكاد تنعدم الكثافة المرورية وقد تنغلق الاشارة دون وجود سيارات في الاتجاة المقابل
وكان الذي رأيـته قد ادهشني بحق ، قد تكون السيارة هي الوحيدة الموجوده في التقاطع ولكن بمجرد ان تظهر العلامة الحمراء حتي تقف وتنتظر الافراج الاخضر ، سائق هذه السيارة قد يعتبره سائق مصري انه احمق وساذج ان يقف رغم خلو الطريق
لكن والحق يقال اني سمعت من صديق لي ان بعض المحافظات الساحلية في مصر تحترم اشارة المرور جدا سواء كان يوجد ظابط مرور ام لا يوجد
وذكر لي صديقي انها كان في ليلة شتوية بعد منتصف الليل يركب تاكسي وقبل ان يصل لتقاطع يلوح لهم من بعيد سبقتهم اللمبة الحمراء فوق السائق رغم خلو الطريق في تلك الليلة من شهر يناير
كانت دهشة صديقي القاهري بلغت اقصي مداها ، هذا بالنسبة لسائقين التاكسي فما بالنا بالملاكي
علي ان وجودي في تلك الشقة لم يستمر اكثر من اسبوع حتي تعين علي الرحيل الي مكان استقراي ولكن كانت الشقة مختلفة تمام
كانت في الدور الاول بعد الارضي في بناية علي شكل فيلا اكثر منها عمارة ، تحوطها جنينة صغيرة وجراج صغير ، تصعد السلم فتجد لوحات صغيرة معلقه علي الحائط اشكالها جميلة وان كنت لا تفهم معني هذه الرسومات
تدخل من باب الشقة تستقبلك جو حميمي مألوف ، شيء ما في اثاثها او دهان الحائط او في التحفط الجميلة المنثورة في كل ركن او اللوحات العملاقة التي تزين الجدران يجعلك تشعر انه بيتك اكثر منه شقة مفروشة
في الغالب هي لم تكن مصممه للايجار ، كانت شقة خاصة لصاحبها صاحب الفيلا ، ولكن تغيرت الاحوال واجرها كشقة مفروشة
صحيح انها لا يوجد بها الجهاز الذي سخن التوست ، ولا يوجد فيها جهاز تبريد المياة ذو الجارورة الزرقاء المقلوبة فوق ظهره ونعتمد علي الزجاجات التي توضع في باب التلاجة كما كنا نفعل في الزمان القريب وكان امي تصرخ دائما عندما تراني فاتحا باب الثلاجة حتي اشرب وارتوي ثم ارجعها واغلق الباب ، كانت تقول ان الثلاجة تفقد كفاءتها مع تبديد جزء من جوها البارد في فضاء الغرفة دون فائدها
او كانت تصرخ من كثرة الفتح والغلق الذي علي حد قولها سيؤثر علي العمر الافتراضي لها ، ولكن رغم ذلك لا تزال الثلاجة تعمل بكفاءتها ولم يصيبها سوء
وصحيح ايضا ان اثاثها لم يكن موديل 2009 حديث
ولكن من يعبأ بكل هذا
اهم شيء هو الالفة

الطبيخ وسنينه
رغم ان امي دائما تقول علي اني لا اغلب –انت متغلابش- في زعم منها اني بعرف اتصرف وبالذات حين يتعلق الامر بالطعام والشراب حين تسافر هي او حين اسافر انا ، فانا اعرف اتصرف دائما
وكانت عندما تعود فتجد اني قد قمت باكثر مما قد تتخيل هي كانت تقول : انت ميتخافش عليك ، في اشارة منها لاخي احمد المسكين الذي يا عينها لا يعرف كيف يسوي بيضة يتيمه كي يأكلها ، وقد ينام علي لحم بطنه
ورغم ذلك فان معرفتي بالمطبخ لا تتعدي بيض مسلوق او بيض اومليت ومكرونة مسلوقة استطيع ان اظبط حيائها مرة وتبوظ مني مرات
لم انجح في المرات القليلة التي تجرأت فيها وسويت شوية ارز ، كان اما تكون شربته او ماؤه قليل فيكون ناقص سوى او تزيد شربته حتي يكون بالوظة
اذكر اني قمت بعمل صينية بطاطس حين كنت اذاكر انا واصدقائي في شقة دار السلام قبل الامتحانات وكانت رائعه بالنسبة لي اذا تغاضينا عن كون البطاطس قطعت باشكال ضخمة عملاقة تسبح وسط شرائط من البصل الضخم الغليظ
لكن علي الاقل كانت ناضجة وطعم البهارات الهندي الذي جائت به لنا خالتي من الامارات ظهر فيها بشدة وطغى علي كل السلبيات الكثيرة
ولكن هذه هي كل حصيلتي شوية مكرونة وبيض وسلطة
بالنسبة لشركتي ينقسم فيها اماكن العمل لقسمين ، مقر الشركة الرئيسية في الخرطوم ويسكن العاملين فيها في عدة شقق متناثرة حولها في الغالب تنقسم ادارات
والقسم الاخر في المواقع في ولاية نهر النيل وولاية الشمالية وقريبا في ولاية النيل الازرق
في المواقع يوجد طباخ يعد للناس الفطار والغداء الذي يريدونه وفي الوقت الذي يقرروه اما في الخرطوم فالطبخ يا حلو هو مهمتك الشاقة العصيبة المرعبة الفظيعه
فيما مضي كنت انعم في المواقع بالاكل الشهي الجميل الذي لم اتعب فيه الا في التفكير فقط في اقتراح الاصناف التي افضلها
اما وقد صار بي الحال اني اصبحت من سكان الخرطوم فكان حقا علي ان لا اكتفي بالاقتراحات بل يجب علي بعد عودتي من الشركة بعد ساعات العمل الرخمة ان اقوم باعداد الغداء
في البداية سأكون مساعدا لاحدهم الذين تعلموا رغما عنهم والذين تعلموا في مساكين اخرين حتي اجادوا الاكل
علي الاقل لا تبوظ منهم الطبخة بصرف النظر عن اي شيء
كانت بداياتي في السلطة فتح السين وليس بضمها كي لا اروح انا في داهية ولا ان تحصلني انت الاخر
عندما اندفعت بكل حماس ان اقطع السلطة او السلاطة بدأت بتقطيعها قطع كبيرة تكفي الواحده منها لأن تملأ معلقة ، ساعتها نظر لي احدهم بكثير من الشفقة وأخذ من السكين من يدي وبدأ يريني كيف اقطع الخضار لنتف صغيرة صغيرة بالغة الحقارة بشكل يثير الغيظ والحنق ولكنها لم تصل لتصبح دعاء علي من سيأكلها ان تكون بالسم الهاري او ما ماشابه حيث كنت هاكل انا ايضا
قلت في سري لهذا الاحدهم كذلك كنتم من قبل
وبدأت رحلة التعلم في غياهب المجهول
في عالم الحلل والزيت المقدوح والبهارات التي تثير جيوبك الانفية الحساسة
في عالم الممل والصبر الجميل
في عالم الدموع التي تتذوق طعمها المالح وان تقطع البصل الشرير الرخم لقطع صغيرة ، فتخترق خياشيمك رائعه قوية نفاذه تجعلك تبكي رغما عنك
ثم في النهاية تبكي علي حظك العاثر
الذي يهون قليلا علي ان هناك عامل نظافة يأتي صباح كل يوم يقوم بغسل كل هذه المواعين المتسخة الكثيرة التي كانت امي تستخدمها لعمل عزومة ضخمة وليس لاربع افراد
احيانا حينما اري منظر الحوض الممتليء بكل اواني المطبخ من حلل واطباق وملاعق وكاسات واكواب وشوك وسكاكين يعصب علي عامل النظافة
المفروض بقي علي اي خطيبة مخلصة ان تنسي قليلا عالم الادب والكتابة المترفة لتقوم بكتابه وصفات سهلة وسريعة لأكلات تسد الرمق لخطيبها العزيز علي صفحات مدونتها

7 comments:

Unknown said...

كانت احلي بطاطس في حياتي , يا سلام هو فيه بعد كده طبيخ:), ربنا يستر علينا يا رب وعلي نمونا بعد ما كلنا البطاطس ده :P

Unknown said...

هههههه رائحة استجداء الشفقة كانت بالفعل طاغية على رائحة الأكل المحترق طيلة البوست الشيق للغاية ،،، ومش عارف إذا كان البوست ده معمول لعامة الشعب و لا لأ لكن على أى حال هتلاقى معاك الوصفة زى أبلة نظيرة بالظبط و مع ذلك ستظهر على الأكل أعراض يصعب عليك و صفها فلا داعى وليكن بيدى لا بيد عمرو ،،، كدنا أن نحرق الشقة كلها فى آخر محاولة لعمل رز و بطاطس

ربما يتوجب على من أراد المساعدة البحث عن كيفية توصيل وجبات ساخنة من القاهرة للخرطوم

أهم حاجة انك تقنع نفسك ان الأكل حلو

Fahd said...

ياااااااااه يا مخ فاكر

كانت ذكريات شنيعة

ايام حلوة الله لا يعودها

بس فاكر المحشي بتاع ستك اللي كان حد بيقابلك بيه في محطة المترو

كان اروع من اي شيء اخر

Fahd said...

د احمد حبيبي

هي ايام وهنعشها

الواحد بيقول اصبر ياواد قليلا وربنا هيغرقك في النعيم بعد الجواز بس ربنا يستر بقي

هي البطاطس دي الوجبة المشتركة بين كل العزاب ولا ايه

اشمعني يعني

يمكن علشان شخصيتها ضعيفة

بجد نفسي اشوفك

مهندس مصري بيحب مصر said...

أنا برضه الطبيخ عندي هو معضلة المعضلات
بس بقيت بأقلي الحاجات الجاهزة من السوبر ماركت
زي اقراص البرجر و الناجتس و الحاجات المماثلة
بقيت بأعمل أي حاجة تتقلي في الزيت
و بأحاول ما أستعملش أطباق كتير لإني أنا اللي بأغسلها
جميل وصفك للخرطوم
و هنا برضه في السعودية اغلب الناس بتحترم الإشارة لإن العقوبة صارمة
غرامة و حبس

يا عالم يا هوووووووووووو said...

ههههههههههههههههههه
أضحك الله سنك

عالم حبيب said...

ايه ياهندسة فينك

غارق في بحار الخرطوم أم تهيم في شوارع أم درمان .. أين أنت يارجل

ايه ياعم الكلام الجامد ده .. يابني تعال وأنا أعلمك ده انا استاذ في الطبخ .. بس تعرف سبحان الله مرات كتيرة بأعمل الأكل وما بيجليش نفس آكل .. إنهاالغربة ياصديقي

عليك بقى وعلى كتاب أبلة نظيرة وياعم الناس ما قصروش افتح أي قناة هاتلاقي برامج الطبخ رقم 1 في كل القنوات دلوقتي

هههه بس حلوين آخر كلمتين دول .. ياعم أنا خطيبتي عاوزاني أنا اللي أعلمها .. لازم تشد حيلك في موضوع الطبخ شوية علشان بعد الجواز

ياريت تطمني عليك :)