Saturday, October 17, 2009

الشيخ طلبة يتحدث عن جيل الزمن الصعب

الوقت في مصر يمر سريعا جدا حتي لكأني اسمع صوت لهاثه وهو يعدو حتي تنتهي الاجازة واعود مرة اخري الي بلاد السودان الشقيق
كانت مساحة الوقت لدي مزدحمة للغاية مثل شارع الازهر يوم الوقفة حيث يوجد الكثير مما يجب ان افعله والكثير ممن يجب ان اراه
ان اكثر ما يؤلمني وانا في الغربة هو الحنين ، الحنين الذي يجرفك لاناس تحبهم او اماكن تعشقها ، كنت اود وانا في هذه الاجازة ان اشبع منهم جميعا حتي لا يشتد علي الوجد والحنين
وكان اكثر ما يتعبني في الغربة هو بعدي عن شيخي وجدي الذي فقدته ومعلمي الشيخ طلبة
كنت افتقد زيارته وكلامه وحكمته و منقوع الدوم الكريه الذي اشتقت اليه وانا في الغربة
صحيح انه قد نتواصل بالهاتف او عبر الماسنجر لكن كل هذا لا يغني عن ان اراه بعيني واقبل يديه واتحمل ضربتين بالمنشة علي اصابعي حين اعك في الكلام علي حد قوله
كان والامر كذلك ان اجعل زيارة الشيخ طلبة علي رأس اولوياتي ورغم ذلك ذهبت اليه قبل ميعاد سفري بيومين
وقفت امام باب شقته المكون من ضلفتين تشقق بعض الدهان الذي كان في يوم ما اصفر غامق من بعض جوانبه ، ضغطت الجرس فانطلق صوته المسرسع فانتحيت جانبا وانتظرت مطرقا رأسي في الارض
بعد ثواني معدودة كان الامل فيها يصارع الخوف من ان لا القاه فتحت الباب تلك الفتاة الصغيرة ذات الضفائر ، نظرت اليها مبتسما وانا استنشق عبق الذكريات واملي عيني منها كي لا اشتاق اليها وانا في الغربة وقلت : السلام عليكم ، ازيك ، الشيخ طلبة صاحي؟
لم ترد علي اطلاقا ولكن انطلقت للداخل مسرعة ،انتظرت انا كي تأذن لي بالدخول بعد قليل ، ولكن ما حدث كان عجيبا ، لم اكن اتوقعه مطلقا ، لقد قام الشيخ طلبة بنفسه لاستقبالي ، لم يكن يتحرك الا بصعوبه ولا يتحرك الا للضرورة ولكن ان يتحامل علي نفسه ويقوم كي يستقبلني كان هذا اقوي مما احتمل ، دمعت عيني من فورها وانطلقت ايه اقبل يديه وجهه واحتضنه
قابلني هو ايضا بمشاعر جياشه شعرت بها في ضغته علي يدي وكلامه وملامح وجهه العجوز
كانت هناك سلامات كثيرة تملئ ما بين جنبات وادي النيل وكان هناك ايضا الكثير من الضرب بالمنشاة
امسكت يده كي اساعده لندخل غرفة الصالون ولكنه سحب يديه ووضعها علي كتفي وقال لي بحنان غسل كل ما علق بي من وحشة الغربة وقسوة الايام التي مرت : حمد لله علي سلامتك
جلس هو علي كنبته الوثيرة وسند بظهره علي مخده كبيرة وجلست جواره في ادب وحب وتخزين
-ازيك يا شيخ طلبة واحشني جدا جدا كالزواج او اشد قليلا
نظر لي نظرة فيما معناها انه اطلع من دول وكفاك بكشا وقال : بأمارة ايه ؟ انت جيت من امتي ؟ هو لو كانت الخطوبة هتعمل كده فيك فماذا سيصنع الجواز فيك ؟
قلت وقد اخذتني حماسة مصطنعة : لا كله الا كدة ، مش احنا الرجالة اللي تعمل كده
اتكأ بمرفقه علي مخدته وقال : تعرف ، يوجد ثلاث عقبات امام اي شاب يريد ان يكون داعيا الي الله اومصلحا اجتماعيا او سياسيا او حتي ناشطا في الجمعيات الخيريه او كاتب ، اولا بعد ان يتخرج من كليته يواجه الجيش وويلاته فما ان يتخطاه اما بتأجيل او اعفاء او قضاء حتي يتعين عليه ان يبحث عن عمل فما ان يستقر في عمله حتي يكتشف انه شاب ويحتاج ان يتزوج فيدخل راغبا مختارا في دوامة الزواج من شقة وشبكه ومهر وتجهيز واعداد وهكذا
قلت انا وانا اتخيل نفسي وانا امر في تلكم المراحل التعجيزيه : معاك حق يا شيخ طلبه ، الحمد لله انا عديت اول اتنين فاضل الاخيرة ولكن انا متعشم خير ان هقدر اجتازها سريعا ، هناك اتفاقات كثيره ووعود واحلام مشتركه ان شاء الله ستتحقق
قال :ايه اخبار واصطنعتك لنفسي ، انا بحب البنت دي جدا واحيانا بدخل علي مدونتها وزاد اهتمامي بيها اكتر مؤخرا لكي اعرف هل كان اختيارك موفق ولا زي ما انا متوقع
قلت له مازحا : لا يا شيخ طلبة كان اختيار موفق زي ما انت متوقع ، الحمد لله هي بخير وهي كمان ترسل اليك تحيات وسلامات وتتمني ان تراك وطبعا ان مش موافق انها تقابل حضرتك دلوقتي الا بعد عقد القران
قال مستغربا : ولما ؟
قلت : يا شيخ طلبة كي اضمن انها مهما انبهرت بك وانا متوقع ذلك الا تتركني
ابتسم لدعابتي وقال بحب : ربنا يبارك لكم ، طمني عليك ايه اخبارك ، عقلك لسه شغال ولا الشمس اثرت عليه
قلت : اعتقد اني محتاج سنفرة ، بس تعرف يا شيخ طلبة اول مرة ابقي عايز ارجع للسودان بسرعة
غمز عينه وقال : علي انا برضه الكلام ده
قلت : لا طبعا مش قصدي كده ربنا يعلم ان السفريه دي هتكون من اصعبها علي نفسي ، لكن انا بتكلم عن مصر ، مصر بقت مخيفه والحياة فيها صعبة
مصر مهددة سواء بالحق او بالباطل بمرض انفلونزا الخنازير مع عدم وجود خطة ناضجة للتعامل مع الازمة ، مصر فيها قري الان مصابة باكملها بالتيفود الذي انقرض من سنين طويلة وكنا نعجب في السودان لما نعرف ان لا يزال فيها مصابين بالتيفود
مصر فيها محاصيل تم ريها بمياة المجاري
ومصر اتقفلت شوارعها ، الدنيا زحمة جدا والبشر كتير
اجمل وصف ممكن توصف بيه مصر دلوقتي انها ملخبطة
كنا قبل ذلك مستقرين في حالة من الفساد المنظم لكن الان صار الفساد عشوائي ، روؤس الفساد الان مرتبكين واثر هذا علي الشعب المسكين
حزين اني اقول كده لكن فعلا لقيت ان الحياة في السودان حاليا بقت أأمن من الحياة في مصر
قال الشيخ طلبة في تأثر : معاك حق يا ابني ، لكن هذا ليس معناه اننا نهرب ، ليس معناه ان نفرح باننا نغادرها ، هي مهما كانت ومهما كان فيها فهي بلدنا ، هي بلدك وهي رسالتك في نفس الوقت ، صحيح الحمل ثقيل والتكاليف زادت وكمية التضحية المطلوبة زادت والمستقبل غائم لكن هي دي قضية جيلكم
وكل جيل له قضية وكل قضيه لها ظروف مختلفه
زمنكم صعب يابني
صعب علشان انتم لا تحاربون في جهة واحدة
انتم تحاربون الفساد
انتم تحاربون تكتلات عالمية
انتم تحاربون المرض الذي لم يعرف له منطق بعد
انتم تحاربون انفسكم ايضا
زمن صعب ولكن في المقابل هذا يعني ان يولد من هذا الجيل رجال ونساء اقوياء صقلتهم التجربة وصهرتهم التضحيات والمقاومة
وايضا صارت لكم ادوات عديدة لم تكن متاحة من قبل ، مثل عالم الانترنت ، التدوين والفيس بوك ان احسنتم استغلالها
ايضا في صالحكم ان الغمامة التي كانت علي اعين الناس قد انزاحت
صحيح لم يتعدي ذلك دائرة المعرفة ولم يتحول بعد لدائرة الفعل والتأثير
ولكن هذا في حد ذاته يعد مكسب كبير ، كنا في عهد جمال عبد الناصر نعمل وحدنا ، كان كل المصلحين والدعاة في وادي والشعب المخدر المنوم مغناطسيا في وادي اخر
قلت :ولكن الصورة تزداد قتامه وسوادا
قال : سأقول لك ما قلته مرارا ، كلنا نعرف ان الواقع اسود ، ليست نصاحة منك او براعة ان اكتشفت ذلك ، يبقي لو هتتكلم او هتكتب مش هتقعد تقول ان الواقع اسود ، لو انت عندك امل او فكرة او رغبة في التغيير او برنامج فتكلم والا فلتسكت وتكف لسانك عن الناس ، الناس مش ناقصة اللي سودها في وشهم اكثر
ثم انت في الدنيا لست مطالبا بالنتائج ، انت مكلف بالعمل فقط
واقول لك ثانية ان الله لو رأي ان الحياة علي الارض وصلت لطريق مسدود وبلا اي امل في اصلاح لكان الله انزل عقابا كما في الامم السابقة التي لم يعد يفيدها علاجا ولم يرجي منها خير او ان ينهي الله الحياة علي الارض
ولكن مادام الله لم ينزل عقابا او يفني الحياة علي الارض يبقي الامل لا يزال موجود وان الله له حكمة فيما يحدث
ولعل الله يريد منكم ان تكونوا سببا من اسباب التدافع الذي يتولاه الله لكي يحول دون ان تفسد الارض
قطع كلامه وقال لي وكأنه يتذكر :تشرب ايه
ولم يمهلني فرصه للجواب فقال مكملا : عرفت عرفت
ثم نادي بصوت عالي مسموع علي الطفلة الصغيرة : يا ايمان هاتي عصير دوم للضيف
في الاحوال العادية كانت مشاعر الحنق وصورة المنقوع البشع وهو يندلق في جوفي تسيطر علي ، لكن الذي حدث اني نسيت ذلك ولفت انتباهي شيء اخر وسكت
لاحظ هو شرودي فقال : ايه مالك ؟ للدرجاي وحشك عصير الدوم
قلت له : طبعا طبعا هو فيه احلي منه

بعد اقل من دقيقة كان كوب الدوم المشبر يتهادي علي صينيه كانت فضيه لامعه في يوم من الايام بين يدي ايمان الصغيرة ، شربت الدوم كأني اشرب دواء الكحة المر حين كنت طفلا قبل ان ينتجوا انواع لها طعم محلي
وفي لحظة تعيسة اخرج الشيخ طلبة ساعته الفضية العتيقه من جيبه ونظر فيها ثم قال بحنان خالص مباشر : كان نفسي تقعد معايا اكتر من كده ، لكن للاسف وقتك خلص
ام اناهده او اشاكسه فقد كان ورائي العديد من الاعمال التي تكفي مؤسستين مالتي ناشيونال فقلت له : وانا كمان يا شيخ طلبة ، ربنا يجعمنا علي خير ، ربنا يمد لنا في عمرك ، احتاج اليك دوما
ربت علي كتفي وقبلني بين عيني وقال : ترجع لنا بالسلامة ، اصبح هناك من ينتظرك عودتك سريعا ، طبعا اتكلم عن نفسي
تركته حقا وانا ادمع وتدمع عيناي الان وانا استعيد تلك الذكري وانا اكتبها في مكتبي في الخرطوم وقد اشتد بي الحنين

11 comments:

Unknown said...

تصدق بالله انه و حشنى من كلامك عنه
وانت كمان و الله
ان شاء الله هنزوره مع بعض لما نتقابل فى البلد اللى مغلبانا دى
ربنا يوفقك ياجميل و يرجعك بألف سلامة و توفيق و يتم فضله عليكم

رابطة هويتي اسلامية said...

فى إطار حملة مدونتى عنوانى تستضيف رابطة هويتى إسلامية المدون محمد غالية صاحب مدونة هل تبحث عن السعادة

فى نقاش عام وحوار مفتوح حول موضوع الحملة .

والدعوة مفتوحة للجميع للمشاركة معنا فى النقاش من أجل الإفادة والإستفادة

نتمني منكم مشاركتنا من أجل تدوين أفضل

تحياتنا

أسرة رابطة هويتي إسلامية

Fahd said...

دكتور احمد

الله يكرمك يا اخي
والله انا بحبك في الله
ربنا يجمعنا
كنت حابب اكتر انك تناقش معايا افكاره عن البلد وعن جيلنا

طبعا اول ما هنتقابل هنروح بنها ناكل فطير وبط ووز وارانب

Fahd said...

رابطة هويتي اسلامية

طبعا يسعدني ذلك ولكن اريد ان اعرف التفاصيل
هل سيكون ذلك علي الانترنت ام لقاء حي
وبقية التفاصيل

abdo said...

ياه دا الشيخ طلبه واحشنى جدا ياريت تبلغه سلامى
وأخبارك ايه ياعم مصطفى وتروح وترجع
بالسلامة ..
" الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ . " صحيح البخاري
..
إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه انه يحبه..
إنى أحبك فى الله
وجزاك الله خيرا على الكلمات الجميلة التى تتحفنا بها بس ياريت متتأخرش على الشيخ طلبة تانى

rovy said...

السلام عليكم ..
ارسل سلامى اليك اخى الفاضل و الى الشيخ طلبه ..
الف مبروك على ارتباطك كما فهمت او علمت من حديثك مع الشيخ طلبه .. مبرووووك لك وللعروسه الكريمه و اصطنعتك لنفسى .. ربنا يسعدكم و يبارك لكم و يبارك فيكم و يجمعكم على خير يارب .


تحياتى

Fahd said...

عبدو

الله يكرمك يا اخي
احبك الذي احببتني فيه

بجد متشكر جدا علي المشاعر الطيبة دي
وعسي الله ان يجمعنا علي خير

واتجوز بقي ياعم انت بسرعه

علي الاقل تفك هذا النحس التدويني

علشان نتجوز بقي احنا كمان

Fahd said...

روفي

جزاكم الله خيرا يا فندم نورتم بجد

ربنا يبارك لك

فعلا اتا خطبت الحمد لله

متشكر جدا علي الدعوتين الجمال دول

مهندس مصري بيحب مصر said...

تصدق كان ده نفس شعوري في الأجازة اللي فاتت
على فكرة مصر بايظة من زمان
بس إحنا ما حسيناش بمدى سوء الحالة غير لما شوفنا الحياة براها
أنا في السعودية و انت في السودان
و لما ترجع مصر المقارنات بتشتغل
حتى لو مستوى المعيشة للمواطن في السودان أقل من مصر لكن برضه تحس إن لمواطنين الدنيا كلها كرامةو احنالأ
تحس إن الحكومات التانية مهما كانت بتحكم بقسوة لكن برضه همها على تصليح البلد و تحسين حال المواطن على عكس عندنا
إييييييييييه
دنيا
ربنا يصبرنا و سلامي للشيخ طلبة اللي خليتني أحبه من غير ما أشوفه

سمية قهوة said...

أهم حاجة متحطش أمل في خطيبتك المسكينه
حلو أوي وصف الخرطوم
تقبل مروري

Maha said...

بحب قوي تدويناتك عن الشيخ طلبة

يا بختك بيه

وربنا يديه طولة العمر وحسن العمل والخاتمة ويرضى عنه ويكتر من أمثاله

تحياتي