Sunday, August 1, 2010

لن يجوع

في شرفة قصره المهيب المحاط باالاشجار الكثيفة الخضراء واشعة الغروب الواهنة جلس علي كرسيه الهزاز يتأمل الافق الدامي بين سعف النخيل
ذاب في تأملاته التي تنقله من عالم لعالم ومن ذكرى لاخرى دون رابط منطقي او تسلسل مبرر
واصل خياله سفره عبر الخواطر والذكريات حتي حل بمنطقه موحشة في عقله
كان يؤلمه ان يجوع شعبه
شعب مصر الجميل والعظيم يجوع
صار يموت من الجوع دون مبالغة
توجد اجيال في وطنه تتعامل مع اللحوم علي انها ضيف قليل الزيارات
يحمل هم شعبه ووطنه ولكن لا يدري ما يصنع
(القهوة يا سعادة البيه)
انتزعه صوت الخادم من اسفاره واعاده مرة اخري لشرفته في اللحظة التي اوشكت الشمس فيها تماما ان تختفي عن المشهد
امسك الفنجان والتقط كتاب من امامه لعله يخفف من وطأة الخواطر الثقيله في حنايا عقله،فتحت الكتاب بشكل عشوائي علي اي صفحة فوجدها تتحدث عن قصة للصحابي عبد الرحمن بن عوف : ذات يوم، والمدينة ساكنة هادئة، أخذ يقترب من مشارفها نقع كثيف، راح يتعالى ويتراكم حتى كاد يغطي الأفق.

ودفعت الريح هذه الأمواج من الغبار المتصاعد من رمال الصحراء الناعمة، فاندفعت تقترب من أبواب المدينة، وتهبّ هبوبا قويا على مسالكها.
وحسبها الناس عاصفة تكنس الرمال وتذروها، لكنهم سرعان ما سمعوا وراء ستار الغبار ضجة تنبئ عن قافلة كبيرة مديدة.

ولم يمض وقت غير وجيز، حتى كانت سبعمائة راحلة موقرة الأحمال تزحم شوارع المدينة وترجّها رجّا، ونادى الناس بعضهم بعضا ليروا مشهدها الحافل، وليستبشروا ويفرحوا بما تحمله من خير ورزق..

وسألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وقد ترتمت الى سمعها أصداء القافلة الزاحفة..

سألت: ما هذا الذي يحدث في المدينة..؟

وأجيبت: انها قافلة لعبدالرحمن بن عوف جاءت من الشام تحمل تجارة له..

قالت أم المؤمنين:

قافلة تحدث كل هذه الرّجّة..؟!

أجل يا ام المؤمنين.. انها سبعمائة راحلة..!!

وهزت أم المؤمنين رأسها، وأرسلت نظراتها الثاقبة بعيدا، كأنها تبحث عن ذكرى مشهد رأته، أو حديث سمعته..

"أما اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

رأيت عبدالرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا"..

عبدالرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا..؟

ولماذا لا يدخلها وثبا هرولة مع السابقين من أصحاب رسول الله..؟

ونقل بعض أصحابه مقالة عائشة اليه، فتذكر أنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث أكثر من مرة، وبأكثر من صيغة.

وقبل أن تفضّ مغاليق الأحمال من تجارته، حث خطاه الى بيت عائشة وقال لها: لقد ذكّرتيني بحديث لم أنسه..

ثم قال:

" أما اني أشهدك أن هذه القافلة بأحمالها، وأقتابها، وأحلاسها، في سبيل الله عز وجل"..

ووزعت حمولة سبعمائة راحلة على أهل المدينة وما حولها في مهرجان برّ عظيم..!!


اوجعته القصة علي الرغم من مشاعر البهجة والفرحةبما فعله هذا الصاحبي الجليل
كان ما يؤلمه ان قصته تتشابه الي حد كبير مع هذا الصاحبي
لديه عزبة ومزرعة كبيرة بها عدد ضخم من العجول ملحق بها مصنع للحوم تكفي سكان القاهرة عدة شهور
ماذا يفعل
يشعر بأن عليه دورا ما ولكن كيف
كل منا يحضر لدور ما في حياته ،فحين يأتي فأما ان تلعب هذا الدور وتنجح وتشعر بأن لك في تلك الحياة قيمة واضافه
واما ان ترحل كما جئت مهما كانت مواهبك وقدراتك
يشعر بشكل ما ان دوره قد حان وعليه ان يسرع
علي اغنياء هذا البلد الشرفاء دور كبير وخطير يأثمون اذا تجاهلوه
ماذا يستطيع ان يفعل
يذكر صديقه الذي قرر ان يتبرع لكل شاب من شباب مصر ب خمسه فدادين شريطة ان يزرعها قمح
ولكن سرعان ما تم الحجر عليه ومصادرة ممتلكاته
كاد يصيبه الذهول
القمح سلعة استراتيجية بالغة الاهمية ان لم تكن الاهم علي الاطلاق
كيف يزرعون مساحات شاسعة فواكة للتصدير وخضروات اورجانك للصفوة ولا يزرعون القمح بل يمنعون ان تزيد نسبه القمح عن حد معين
هل يدركون ما يفعلون
هي خيانة قومية
لكن لا يجب ان يفت هذا في عضده
لا يكفي الخير ان يكون خيرا فقط بل يجب في هذا العصر ان يكون ذكيا
لا تكفي النية الطيبة
هو يملك عدد ضخم من العجول والماشية يستطيع ان يوزعها علي شعب مصر بأسعار زهيدة لا يريد اي مكسب
ولكن سيكون هذا لوقت معين هذا لن يحل المشكلة
ارتفعت اسعار اللحوم لزيادة سعر العلف
يريد ان يجعل الامر مستمرا
ماذا لو دفعت كل اسرة مبلغ محدد من المال بشكل دوري يساهم في اسعار العلف علي ان تصلها كمية من اللحوم شهريا تغطي الحد الادني من احتياجتها
وتتناسب هذه الكمية مع عدد افراد الاسرة واعمارهم
ويزيد المبلغ كلما زادت الاستطاعه ويقل ايضا بنفس المنطق ليحدث توزان في النهاية ويكون المتوسط هو هذا المبلغ
انشرح صدره لهذه الفكرة
وبدأ يفكر في اليات التفيذ حتي داهمة خاطر اسود ..ماذا لو وقفت الحكومة ضد مشروعه هذا
ليس منطقيا بالطبع ان تقف اي حكومة مخلصه امام هذا المشروع القومي الذي يعالج بالمقام الاول تقصير الحكومة في توفير الحد الاني من العيشة الكريمة للمواطنين
ولكنه يعي الدرس الذي حدث لصديقه
استغرق قليلا في هذه الخاطره حتي جائته فكرة اقل ما توصف انها مجنونة
التقط هاتفه يطلب رقما بدويا
كان الأثير في طريقه ليربطه بشخص ما في مكان ما في صحراء مصر
-الحج جعلي ؟ السلام عليكم
-وعليكم السلام سعادة البيه ،مضي زمن طويل علي اخر مرة سمعنا فيها صوتك
-اريدك في موضوع هام يا حج،مشروع قومي
-قومي ..اضحكتني والله يا بيه ،أي قوم ، قومي ام قومك
-بل مصر يا حج جعلي ، بلدنا ..كلنا في الهم سواء يا حج ...امام النظام لا يوجد فارق بين قاهري وبدوي وسيناوي او صعيدي ،كلنا في الظلم سواء
-لا تقلب علي المواجع يا بيه ، اخبرني ما هو المشروع وكيف اساعدك
-شعب مصر يجوع يا حج ، بل هو جائع بالفعل..يؤرقني ضميري كل ليلة ابيت فيها في قصري اجد كل ما اشتهيه دون ان اطلبه ويوجد كثيرين يموتون من الجوع
- حسبي الله ونعم الوكيل ،ألا يظن أولئك أنهم مبعثون * ليوم عظيم*يوم يقوم الناس لرب العالمين
-صدق الله العظيم، لقد فكرت بان اساعد في حل هذه الازمه ،سأبيع اللحوم للناس بأسعار زهيدة اقل من حتي سعر التكلفة
-بارك الله فيك يا بيه ،ولكن هل سيتركك النظام تفعل ما تشاء ، انت بذلك تعرض نفسك ومزرعتك للخطر
النظام لها مصلحة في بقاء الامور علي ما هي عليها
-لذلك فكرت فيك يا حج جعلي
-كيف
-أن الاوان لكي يكون لكم دورا كبيرا في هذا البلد ،كانت لكم ادورا رائعه في الماضي في القاومة والدفاع ضد الاحتلال ،بعدتم عنا يا حج جعلي
-ليس بايدينا ، ماذا تريدنا ان نفعل
-انظر يا حج جعلي ،لديكم أعددا مهولة من رؤوس الاغنام والماعز غير مسجلة او مدونة في اي سجل حكومي ،هذه ستكون الخطة البديلة في حدوث اي مكروه لي او لمشروعي
سأدبر كيف تصل لك الاموال وتؤخذ منك اللحوم لتوزع علي الاسر في سرية تامة
-لا تقلق لا سعادة البيه سنعرف كيف نأمن انفسنا
-افهم من ذلك انك توافق
-اخشي لو رفضت ان تكون هذه خيانه ،ماذنب الاسر التي تعاني من الفقر والجوع بخلافتنا مع النظام
-بارك الله فيك يا حج جعلي
-تعرف يا بيه ..لم يعد الامر كما كان في الماضي ، الان نستطيع ان نتواصل مع معظم العشائر والقبائل في كل صحراء مصر من سيوة وحتي البحر الاحمر ومن رفح وحتي حلايب ،ولا اعتقد انهم سيرفضون ،قد أن الاوان ان نمد يد العون لاهل بدلنا
-اهل بلد واحد يا حج جعلي ،بارك الله فيك،بارك الله فيك
رغم اختفاء الشمس الا ان يري قليلا من الأشعة مازالت في الافق تجدد الامل

2 comments:

dodda said...

:)
يا رب يكون امل مش اضغاث احلام

Almogadded said...

أعجبنى كثيرا خاتمة القصة ....وحشتنى جدا يا بوب