طرقت الباب ثم
ابعدت قليلا..بعد لحظات سمعت صوتا مألوفا ولكن بشكل ما نًزع منه شيء ما فاصبح بلا
عمق او احساس...كانت حفيدة الشيخ طلبة تسألني من انا....فتحت الباب بعدما اجبتها
كانت فيما مضي
طفلة صغيرة حفرت الشقاوة في عينيها، لكن الان كأني اري اختها التي تشبهاها ولكن
تكبرها بعشر سنوات علي الاقل وارتسم الجد والهم علي وجهها
دخلت ورائها ولا
يزال قلبي منقبضا، لم اعد احتمل اي وجع او حزن مرة اخري، امتليء قلبي واحتمل اكثر
من اللازم...قًتل سنبل وقًنص مصعب..واستاذ اسلام وعمر وكثيرين ماتوا في احدث الفض،
تمنيت لو لم اكن اعرفهم، وصرت افرح عندما يموت شخص او يًقتل ولم اكن اعرفه او
اقابله في يوم من الايام
قابلت عاصم سنونسي
قبل قتله كان شابا صغيرا يملؤه الحماس والشباب مبتسم دائما يحتضن عدسته التي لم
يكن يعلم انها ستكون شاهدة علي لحظة موته التي لن تنتهي رغم بروده الرصاص وانتهاء
دويها، ستظل اللحظة دائمه في الابد تتكرر وتتكرر، كأنها تشير الي الغادر وتخبر عنه
سنبل ايضا كان
شابا جميلا له صوت عذب وملامح طفولية وروحا خفيفة لم يثقلها ذنب او تشدها دنيا او
مادة...كان يملئ الحياة حوله بالبشرى والنصر...قابلته قبل استشهاده قلت له مازحا:
قعدت تقول عايز اروح سوريا ادي سوريا جت لحد عندنا شوف بقي هتعمل ايه!!!! ويبدو
انه كان عارف هو هيعمل ايه، لم تمر الساعه الثامنة صباحا يوم الفض المشئوم الا وقد
قنص في صدره في قلبه الطيب الحنون
هم وغيرهم قد
ماتوا وقد اخذوا من القلب جزءا معهم واخذوا من روحي القدرة علي الاستمتاع او
الحياة
دعوت الله في سري
ان يكون لطيفا بنا...ودخلت علي الشيخ طلبة ...ياااااااه يا شيخ طلبة..وحشتني نفسي
اللي كانت بتقابلتك قبل ما توحشني انت يا شيخ طلبة....ياه علي الغربة والوحشة التي
عشت فيها رغم اني لم اتعدي حدود الوطن
انكببت عليه اقبله
واقبل يديه والدموع تذرف من نبع الحنين او من وحشة الاغتراب
كان كما هو الا ان
وجهه ازداد تغضننا ولمحة من شحوب لاحت علي ملامحه، بيديه المرتعشه ربت علي شعري
وضمني اليه
قلت له: كيفك يا
شيخ طلبه، طال العهد وزاد الشوق والاحتياج
رد بصوته الذي
تعترضه احيانا كحة تهز صدره وكيانه: افتقدك كثيرا..كيفك وكيف حالك
-
الحمد لله يا شيخ طلبه ماشية الحياة ، ونحن
نمشي فيها، نرتفع قليلا ثم نهبط علي رؤسنا..نفقد الاتجاهات كأننا داخلين في دوامة
او اعصار لا يفتر حتي يبدأ من جديد
ضاحكا قال- ياما
قدت علي الراس طبول، عضمك لسه طري...
-
ياه يا شيخ طلبه...اذا لم تكن هذه الطبول
فاين هي اذن وكيف سيكون شكلها ومتي تدق
-
لا انكر ان الاهوال التي مرت بكم هي الاشد
ولكن لو أنك تقرأ التاريخ جيدا لكنت عرفت ان هذا ليس جديدا، صدقني هي دورة من
دورات التاريخ والصراع الابدي بين قوى الخير والشر بشكله البدائي البسيط..احيانا
يأخذ صورا معقدة ولكنها هي هي وتأكد انها حركة دوارة كقانون كوني يضمن سلامة الارض
-
ولكن يا شيخ طلبه الزمان صار يدور بسرعه لم
نكد نستوعب قيام ثورة حتي قامت ثورة مضادة ثم انتخابات ثم ثورة مزعومة ثم انقلاب
ثم جرائم دم وعالم بلا ملامح وعبث في عبث
-
تسارع الزمان والتكنولجيا قد يكونا السبب في
تسارع دورات التاريخ، اعتقد د جاسم سلطان تحدث في هذه النقطة
سألته عن حفيدته ماذا حدث لها...ولكن كيف نسيت شعوري
عندما دخلت البيت، ما سر هذا الحزن الموجود، كيف لم الحظ تهدج صوت الشيخ طلبه رغم
تماسكه
قال الشيخ طلبه بصوت متهدج: مات ابوها في يوم الفض، قُنص
في رأسه ولكن الحمد لله كان جثمانه سليم لم يحترق..
ياه يا شيخ طلبه..مات ابنك في يوم الفض وانت الان تحدثني
عن الحياة ودورات الصراع، لازلت تملك تلك الابتسامة وذلك اليقين...
شملني التأثر والشعور بالتقصيير وانا اعزيه في وفاة ابنه
بعد اكثر من ثلاث شهور
تقبل اعتذاري وسألني: طمني انت عليك، ماذا حصل معك يوم
الفض
-
لم اكن بالميدان ساعتها، عندما استيقظت وعرفت
الخبر الذي كنا ننتظره في كل يوم ذهبت هناك ولم استطع الدخول، اُلقيت علينا قنابل
غاز تكفي مدينة وخرطوش كثيف لا اعتقد انه ترك احدا والا دخل في جسمه بعض منه..كانت
اصابتي بسيطة بالمقارنة بما رأيت بعد ذلك، لم استطع البكاء او الحديث بعد حتي
معرفتي بخبر موت اصدقائي فقط كنت احلم بهلاوس وناس تُقتل وناس تموت
-
هيه يا بني، فترة عصيبة مرت علي مصر وعلي
شعبها سيظل يتردد صداها لسنوات قادمة، للاسف قد لا تعود البلد او الناس الي ما
كانوا عليه اللهم اذا حدث شيء ضخم وكبير قادر علي تجميع لُحمة هذا الشعب مرة اخرى
-
كثيرون انتظروا مصيبة تحل بهذه البلد، كما
حدث بعد تجبر عبد الناصر وما فعله من قتل وتعذيب واهدار لحرية الناس وكرامتهم ابتلانا الله بنكسة كسرت غروره وجبروته الي
الابد
-
نسأل الله السلامة..ندعو الله الا يحدث شيء
من هذا، فما ذنب هذا الشعب الطيب المغلوب علي امره
-
لسه بتقول عليه طيب يا شيخ طلبه، بعد أن قُتل
ابنك علي يد جيش بلدك، هذا الشعب الذي فرح في الموت والدم وظل يغني في اي مناسبة
تسلم الايادي، الايادي الملطخة بالدماء، قتلوا اشرف واطهر شباب، كانوا كنزا تفخر
به الدول ولكنهم قتلوهم وحرقوهم...كم اشتغلنا في الاعمال الخيرية طول السنين
الماضية وهؤلاء الذين يعرفونا هم من فرحوا بقتلنا وخرجوا في الشوارع يحييون الجيش
العظيم وافراد الشرطة البواسل الذين خلصوهم من ذلك الكابوس...كيف يا شيخ طلبة تقول
شعب طيب ومغلوب علي امره وكيف بعد ان اعتبرونا شعب اخر وله رب اخر
لم يقاطعني الشيخ
طلبه ولكن بعد ان فرغت من كلامي قال: يبدو ان وقت الدوم قد حان
ابتسمت رغما عني
فقلت له: والله يا شيخ طلبي وحشني اي حاجه من طرفك، انا مستعد للدوم، بعد فترة
طويلة من شم الغاز المسيل للدموع صار الدوم امرا محتملا
قال : هل ترى فعلا
اننا شعبين وليس شعب واحد
قلت: للاسف يا شيخ
طلبة يبدو اننا كذلك
قال: يا بني نحن
شعب واحد لاننا بيننا قواسم كثيرة مشتركة، يجمعنا الفقر والمرض والجهل، نشترك في قيد
واحد وعالقين سويا في الوحل...نحن لسنا شعبين، نحن شعب بلا حرية وبلا كرامة وبلا
وعي و شلة حرامية منتفعين
-
يا شيخ طلبة يوجد الكثير غير منتفع اصلا ولكن
يريد قتلك ويفرح ويشمت في الدم
-
خذها قاعدة يابني الي ان يثبت العكس، اي شخص
غير منتفع هو فقط بلا وعي تم استغلاله لا يصح ان تعامله معامله شعب اخر، بل هو من
شعبك قد يكون اخوك او ابن عمك واجب عليك ان تزيل الغشاوة عن عينيه، يجب ان يعرف من
هو العدو الذي يريد ان يبقي هذا الجو الضبابي ويستغله جيدا.. يجب الا نتقاتل او
نفقد الثقة في هذا الشعب
-
لا اخفيك سرا يا شيخ طلبة انا لا استطيع بعد
كل ما حدث ان اتعامل بهذه النفسية، او افترض حسن الظن في كل الناس كما تفعل انت
-
يا بني لو تعتقد ان المعركة هي معركة اخوان
او معركة سلطة او كرسي او انتخابات يبقي انت مخطأ، تخيل رغم انه كلام كبير ويصلح
دراميا انه يكون المعركة الرئيسية والاساسية لكن في الواقع وفي مصر تحديدا هي
معركة انسان، هي معركة كرامة وحرية للانسان المصري نفسه، حقه في الحياة وحقه في
الاختيار الواعي الحقيقي المفيد الفعال له ولمستقبله بالطريقة دي ممكن تلاقي
الاخوان جزء من العدو لو نسيت انها في حرب
ضد استعباد الانسان واستغلاله وليس لمجرد التمكين المنشود في ظل مجتمع يسهل توجيهه
او السيطرة عليه من خلال برنامج او قناة
-
تعرف يا شيخ طلبة، لو المعركة الفعليه كما
تقول ممكن تلاقي واحد من المعسكر الاول ولكنه في الحقيقة من المعسكر الاخر والعكس
صحيح
-
بالظبط لو كانت المعركة واضحة انها معركة
كرامة وحرية انسان سيتغيرتشكيل وتوزيع الناس، قد تجد شخص ضد الانقلاب ولكنه هو
نفسه لو كان بامكانه ان يقتل او يعتقل ليحقق رؤيته في الحياة لفعل، وقد تجد شخص ضد
الاخوان او للدقة ليس ضد الانقلاب ولكنه لو كانت القوة معه لاعطي للناس حريتهم
وحقهم في الاختيار
وعندما هممت
بسؤاله عن الجو الضبابي، وهل فعلا الوضع ضبابي ام واضح كالشمس، فرؤيته الدم والجثث
المحترقة لا تدع مجالا للضباب قال لي: يكفي اليوم، انتظرك في مرة قادمة
لم اجادله فصحته
لم تعد كما كانت ثم اني حمدت الله انها نسي الحوار مع انساه الدوم ومنقوعه
التكملة في الزيارة القادمة باذن الله