كتب الله علي اليهود في مصر أن يتيهوا في الارض اربعين سنة محرومين من الكرامة والحرية بعد ذاقوا العذاب الوانا علي يد فرعون مصر الذي اذلهم ذلا لم تكن تجدي معه اي من ايات الله الخارقة كفلق البحر وهلاك الفرعون نفسه وتفجير العيون والمن والسلوي، لم يصلح ذلك من نفوسهم المريضة التي صارت لديها قابلية للذل والاستكانة حتي بعد ان زال الحكم الظالم المستبد، كان الحل الوحيد هو ان يتيهوا في الارض حتي يخرج منهم جيلا اخر لا يحمل امراض الجيل الاول الذي فسدت فطرته
وفي زمننا هذا كان هناك طاغية اخر أتت به ثورة سابقة-صارت ملامحنا تتلون بالثورات فقط- رغم ما يحسب له وما فعل الا انه طغي عذب نصف الشعب وارهب الباقي وهكذا وجدنا اباؤنا –ابناء ذلك الجيل التعس-يأمروننا ان لا نمشي جوار الحائط فقط بل ان نمشي داخلها من خوف تراكب داخل نفوسهم وصار عقدة معقودة بالجبن والخبز
واحتجنا لذلك كما هو الحال مع المصريين ان نعيش اربعين سنة كاملة في عهد السادات ومبارك حتي يخرج جيلا اخر، لم يعش سنين البطش وان كان عاني من اثارها قرر ان يثور علي الظلم بعد ان حطم الاصنام في صدره وبعض الاصنام التي في صدور اهله من الله علينا بان جعل من هؤلاء الشباب قفازا لقدرته كي تسري في مصر سنة التدافع بعد ان ثبت المشهد المؤلم كثيرا فخسرت مصر وخسر العالم الاسلامي والعربي طيلة تلك العقود الملونة بالظلم والخيانة
وكانت ثورة 25 يناير التي غيرت ملامح ذلك الشعب وبدلت في خريطة مصر حتي اوشكت ان تغير مسار النيل وان كان حدث اصعب من ذلك وان كانت ثورة يوليو افرزت نظاما ديكتاتوريا مازلت اثاره تحيا في النفوس الا ان الوضع في ثورة يناير يختلف تماما، فالثورة السابقة قام بها ظباط جيش فقط في حين كان الشعب في غفلة من الحياة ومن العالم، فكان طبيعيا ان يكتشف -الملازم اول- انه ولاول مرة اصبح سيدا لهذه الارض ولهذا الشعب فكيف لا يطغي او كيف لا يستبد وهو يري ذلك الشعب الساذج الجاهل بما يحدث في العالم من حريات او نظم جديدة
اما ثورة يناير فهي الثورة الحقيقة، هي ثورة الشعب نفسه، بدأت بالشباب الذي خرج معظمه دون علم اهله ثم اضطر جيل الثورة الاولي ان يتفاعل مع الثورة الجديدة ويفرح بالحرية وان يداري داخله اصنام الخوف داخله
وكانت من اهم اثار ثورة 25 يناير علي الشعب المصري هي ان جعلت منه شعبا سياسيا ولاول مرة فصار يتكلم الناس بكل اطيافهم بكل حرية في السياسة، وتعد هذه من اهم مكاسب الثورة فقد تم علاج الشعب من الكبت والاكتئاب
قد ينقص الناس الخبرة السياسية الحقيقية ولهم العذر في ذلك واعتقد انها مسألة وقت
واصبح الشعب المصري معارضا ولاول مرة ايضا منذ زمن، لم يعد ذلك السلبي المستسلم المستكين والامر الذي سيأخذه في الاعتبار اي مسئول يحكم مصر من ان تسول له نفسه في اي يحيد او يظلم شفي الشعب من الخوف المعتق من زمان الثورة الاولي حتي تنجح علي يديه ثورة جديدة حقيقة بداية لعهد جديد قادم
واخيرا من اهم ملامح شعب ما بعد الثورة هو الامل، واستطاع الامل الذي بثته الثورة في الشعب ان يغير من نظرته السوداية اليائسة البائسة لنفسه وللبلد، صار هناك املا كبيرا في نفوسهم قادرا علي ان يبني ويعمر ويجعل مصر من اولي الدول تقدما وحرية، وان تعود مصر مرة اخري تقود المنطقة وتؤدي دورها العظيم الذي انشغلت عنه في سنوات التيه
شعب ما بعد الثورة هو الضمانة الحقيقية للثورة، صار مستحيلا ان تعود مصر كما كانت فقد انكسر القيد وبرئ الشعب من امراضه واكتشف نفسه مرة اخرى.