وفي شندي استقرت لنا الامور اياما،وكانت رائعه ،الجو الجميل والاكل اللذيذ –كان الطباخ مصريا – وكان هناك ايضا صالح
وصالح هذا شاب اثيوبي مسلم صغير السن يعمل كعامل نظافه في البيت الكبير يقوم بالغسيل والكوي والتنظيف والمسح وعمل الشاي وتحضير السفرة والتسوق و.................وكل شيء
شاب طيب جدا وبرئ لا تملك نفسك الا ان تحبه
عندما جاء من بلاده لم يكن يعرف اللغة العربية وبدأ يتعلم اللغة وكانت خليط من لغته علي لكنات سودانية علي لغة عربية مكسره في النهاية هي لغة تختلف عن كل هذه اللغات ويتطلب منك مجهود رهيب كي تفهم ما يقول او ان يفهم ماذا تعني
لكنه ذكي جدا ولماح ويستوعب الامور جيدا ويفهم المعلومة الجديدة ويضيفها الي رصيده باستمرار
وصالح هذا له حكاية غريبة
فقد جاء من بلاده لاجئا للسودان هاربا من بطشة حكام بلاده الذين طغوا في البلاد وامعنوا في اضطهاد المسلمين حيث ان اثيوبيا تحكمها بعض الطوائف المسيحية المتطرفة الي جانب اليهود المسيطرين علي الاوضاع هناك والذين يبلغ عددهم اكثر من عشرة ميلون يهودي
ومما زاد الطين بلة بالنسبة لصالح انه انضم لجماعه اسلامية في الصومال تتبع للمحاكم الاسلامية هدفها مقاومة المد التبشيري المسيحي والغزو الاستعماري للصومال
هكذا صار صالح غير مرغوب فيه في بلده وبعيد عن اهله
المهم صالح هذا من اجمل الاشياء التي تحبها في شندي.
وجاء النذير ان تذهب الي عطبرة
هناك مشروع جديد يبدأ ويجب ان تترك شندي وتذهب الي هناك
في الصباح كان سوسوا السائق ينتظرني-سوسوا علي وزن فلفلة بكسر الفاء-وانطلقنا ناحية الشمال الي عطبرة
في الطريق توقف سوسوا بالسيارة لم افهم لماذا توقف ولكن عندما رايت تلك العشة الصغيرة علي جانب الطريق عرفت انه توقف ليشرب الشاي عند سته الشاي، ولكن لم اكن لافوت هذه الفرصه
قال لي :تشرب جابنة ؟
قلت له مستغربا :جابنه يعني ايه ؟
قال :ما تعرف الجابنه السوداني؟
قلت له :لا اعرف هي حاجه حلوة يعني ؟
المهم عرفت انها القهوة السودانية ولكن انا لا اشرب القهوة في مصر فلن افعلها في السودان
كانت سته الشاي تجلس علي كرسي صغير وامامها عدة الشاي والقرنفل والحبهان والكركدية واشياء اخري لا اعرفها
كنت الاحظها وهي تعمل ، كانت يديها تعمل في رشاقة ومهارة ،رغم بساطه ما تفعل الا انك لا تملك ان تقاوم هذا المجال المغناطيسي الذي يحيط بهذه السيدة
قلت في نفسي من قال ان الجمال مقتصر فقط علي البيض هناك ايضا الاسمر الجميل
عند هذا الحد خفت علي نفسي قلت ايه يا بني انت هتقع في حب سته الشاي ولا ايه
وماذا حدث لمقاييس الجمال لدي هل السودان تغير المرء لهذه الدرجة
انتهينا من الشاي اللذيذ
واستئنفنا الطريق وفوجئت بعدد غفير من السيارات تحمل عدد غفير من الناس ، في طابور طويل متجهيين ناحية الشمال وهناك علي جنبات الطريق بشر اخرين ينتظرون السيارات
وعرفت فيما بعد انهم ذاهبون للقاء البشير حيث سيعقد موتمر مجمع يفتتح خلاله عدد من المشروعات التنموية والتي من بينها بعض المحطات التي انشاناها
وصلنا عطبرة ذلك البيت الذي تفجأ باللون السيمون يأخذ عينيك ، في كل اتجاه ذلك اللون المريع
يبدو ان السودانين مغرمين باللون الواحد لدرجة ان يجعلك تكرهه
ولكن اسوأ ما في الموضوع نظام الحمامات هنا
هنا طبيعة البيوت في السودان ان تكون الحمامات خارج المنزل في الساحه التي تحيط بها السور
تستيقظ في الصباح لتقطع تلك الرحلة في الهواء البارد لتصل الي الحمام
عندما كنت في مصر حين استيقظ تغلق كل الابواب وكل الشبابيك وكل اي شيء ينفذ منه الهواء ، وبعد الاستحمام تكون هناك فترة كمون وطوارئ لمدة لا تقل عن نصف ساعه
اما هنا في السودان فلا يوجد هذا الترف
عندما اقول ذلك هنا يقولون لي :احمد ربنا ان فيه سقف
سقف ؟يعني ايه ؟مكنش هيبقي فيه سقف كمان؟
لم اصدق حتي رايت وعرفت ان معظم الحمامات هنا بلا اسقف ولا اعرف السبب
ولذلك ليس مصرح لك ان تبني اكثر من دور واحد
ولذلك ايضا ليس مصرح لك ان تجلس في السطوح فبذلك سوف تكشف كل حمامات المنطقة
الحمد لله علي كل حال
المشروع الجديد يقع في الغرب –يعني هنعدي بالبانتون-وتحديدا في قرية اسمها كتاياب
المشورع عبارة عن استكمال للمرحلة الاخيرة لتوصيل الكهرباء لمنازل القري بعد ان انتهينا من عمل المحطات ومد خطوط الجهد المتوسط ، وهذه المرحلة الاخيرة تعد الاهم بالنسبة للمواطنين وتجعلهم يطيروا بنا طيرا ويفرحوا بنا جدا
هذه المرحلة هي التي ستنهي فترة الظلام الدامس الذي استمر لملايين السنيين
احنا هنور ليهم بلدهم هندخل ليهم الكهرباء
وصلنا للقرية بعد كمية دغدغة وهبد تكفي لتحويل اي لبن لجبنة من النوع الفاخر
وكانت القرية كما هي في المسلسلات التي تحكي تلك الفترات في الماضي
ولكن اكثر شيء عجبني في هذه القرية انهم يحترموا كبيرهم
وكبيرهم هذا هو عم عثمان الشيخ الكبير المتعلم الذي يداوم علي زيارة مصر سنويا
رجل متفتح ومتدين ويشرف علي الخلوة التي تتعهد بتحفيظ الطلاب القرأن الكريم والدين
لكن اكثر شيء عجبني للغاية هو ذلك الفاطور الرهيب
اتعزمنا علي الفاطور
ولكنه لم يكن كاي فطار رايته او طعمته في حياتي
عندما نصبت امامنا المائدة اخدت فترة كي اتعرف فقط علي الاصناف
وكانت الاصناف التي علي مائده الفطار
طبق كبدة لذيذ وغارقة في سوس من البصل والتوابل
طبق كبير من اللحم البارد في شكل قطع صغيرة
طبق عميق به قطع لحم طري وساخن تسبح في عالم من البصل والدمعه الحمراء المسكره
وطبق فول نثرت فوقه زيت الزيتون
وكفته
وشعرية بالسكر
وسلطة خضار
ومربي
وبيض اوملت
وبيض مسلوق علي شكل طرنشات
و
و
و
وبعد الفطار كان طبق به شرائح البطيخ الطازج الاحمر البارد
وجاء الشاى الساخن
وجاءت الجابنة –القهوة السوداني-تتهادي
كانت معركة
انا الان عرفت لماذا يصاب السودانيين بالكسل
كيف له ان يعمل بعد ان استنفذ كل طاقته ولمده اسبوع في هذا الفاطور الرهيب
وبعد كل ذلك مسكوا فينا علشان الغدا الذي اقل ما فيها ان يذبحوا لنا خروفا
ولكننا هربنا باعجوبة
السودانيين يجبون المصريين كثيرا ويحترموهم جدا
وانا لا املك الا ان احبهم
وكيف لا وهذا الفطار يتكرر كل يوم
ومازالت حكايات السودان لا تنتهي
لكن انا كلمت الشيخ طلبة علي الشات
والتدوينة التالية هتكون تفريغ للحوار الرائع المدهش الصادم مع الشيخ طلبة ربنا يدينا ويديه ويديكم طولة العمر
دمت سالمين